موقع السراج
الرد على مزاعم وجود أيات عنف في القرآن الكريم
الفصل الثالثآيات العنف...المعنى الحقيقي
سورة 4 الآية 89
تقول الآية الكريمة: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا) – سورة النساء آية 89
أولا فلنضع الآية في سياقها فنذكر الآيات السابقة و اللاحقة لها. يقول تعالى: (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً
وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا
إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً
سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا) – سورة النساء الآيات من 88 الى 91
ثانيا فلنحاول فهم معاني الآيات الكريمة
هذه الآيات تتحدث عن المنافقين و حقيقة هناك قصتان مرتبطتان بهذه الآيات الكريمة
أولاهما أن المنافقين المقصودين في الآيات الكريمة هم منافقوا مكة و سائر الجزيرة العربية الذين أظهروا إعتناقهم للإسلام كذبا و لكن عندما أمروا بالهجرة لدار الإسلام في المدينة رفضوا و أصروا على البقاء في بلادهم بل و شاركوا في أعمال قومهم العدائية ضد المسلمين فلم يعرف المسلمون كيف يتعاملوا معهم
أما القصة الثانية المتعلقة بهذه الآيات الكريمة و هي أن عبد الله بن حامد رضي الله تعالى عنه روى عن مجاهد رضي الله تعالى عنه أن بعض كفار مكة جاءوا الى المدينة و إدعوا الإسلام و أنهم أتوا مهاجرين و بعد مرور وقت قصير عادوا الى كفرهم ثم ذهبوا الى الرسول صلى الله عليه و سلم و إختلقوا الأكاذيب ليبرروا رغبتهم في الذهاب الى مكة لشراء بضائع ثم ذهبوا و لم يعودوا فاختلف المسلمون في أمرهم البعض قال أنهم مسلمون حيث أنهم رأوهم يقيمون الصلاة و يصومون و يقرؤون القرآن و بالتالي لا يجوز إعتبارهم كفار و البعض الآخر قالوا أنهم منافقون و لا يجب الوثوق بهم لذلك فالآيات من الآية 88 و حتى الآية 91 تشرح للمسلمين كيفية التعامل معهم
تبدأ الآيات الكريمة بمعاتبة المسلمين لأختلافهم على رأيين فيما يخص التعامل مع المنافقين فالله تعالى تركهم يعودون الى كفرهم بسبب أفعالهم المنكرةوالتي فعلوها بمحض إرادتهم لذلم فالله تعالى يعاتب المسلمين الذين ظنوا أنهم يمكنهم هدايت هؤلاء الى الطريق الصحيح بينما تركهم الله تعالى يضلوا بسبب خطاياهم التي جنوها بمحض إرادتهم و رفضهم التوبة و التراجع عن نفاقهم
ثم يعلم الله تعالى المسلمين كيف يتعاملوا مع المنافقين فعليهم أولا فرصة للإختيار الحر فإن هاجروا للمدينة و قرروا الإستمرار مع المسلمين فعلى المسلمين مسامحتهم و تقبلهم في مجتمع المدينة كمسلمين و إن أصروا على الإنحياز لجانب الكفار فعاملوهم ككفار يحق مواجهتهم و أسرهم و قتلهم بناء على هذا الإختيار
لكن هذا الحكم ليس عاما يشمل كل من إرتد عن الإسلام لذلك توضح الآية 90 بعض الحالات الخاصة فمثلا إذا لجأ المنافق لقوم من الكفار و احتمى بهم و كان هؤلاء القوم الكفار قد تعاهدوا مع المسلمين على عدم القتال فلا يحق للمسلمين ملاحقته أو قتاله حيث لا يحق للمسلم قتل المنافق طالما في بلاد بينها و بين المسلمين إتفاق سلام و عدم إعتداء أيا كانت ديانة هؤلاء القوم لأنه في الإسلام يجب إحترام قدسية التعاهدات و الإتفاقيات مع اي طرف أيا كان معتنقه و فكره الديني
الإستثاء الآخر يظهر في الآية 91 حيث تنناول الآية الكريمة المترددين العاجزين عن إختيار أي جانب ينحازون اليه وهي قصة قبيلة بين سعد و غطفان الذان خافا أن يختارا اي من الفريقين فكانوا إذا قابلوا المسلمين إدعوا الإسلام و إن قابلوا الكفار إدعوا الكفر فكان حكم الله تعالى أنه إذا قابل المسلم أحد منهم فعليه أن يوفر له الأمان و الحماية حتى يصل الى المكان الذي يريد الوصول إليه و لا يحق للمسلم قتاله بل حمايته ليضمن له حرية الإختيار و أمامه ثلاثة خيارات إما الإسلام و البقاء مع المسلمين أو البقاء في أرض وقعت صلحا مع المسلمين (أيا كانت ديانتهم) أما اذا اختار جانب الكفار المقاتلين للمسلمين عندئذ فقط يحق للمسلم قتاله لأن في هذه الحالة إختار محاربة الإسلام و إنحاز لجانب الإعتداء و العداء للإسلام فهو من العدو إذن فيحق للمسلم أسره و قتاله و رجاء لاحظ هنا أن إصراره على معاداة الإسلام ليس بسبب عقيده دينية –لأن هناك أقواما بقوا على دياناتهم أيا كانت و لكن قبلوا السلام مع المسلمين فلم يجبرهم المسلمون على تغير دينهم و إنما وقع معهم معاهدة سلام ليأمن المسلمون جانبهم- و إنما لأغراض أخرى كمصالح مع قريش أو غيرة و كراهية الى غير ذلك من الأسباب