موقع السراج
الرد على مزاعم وجود أيات عنف في القرآن الكريم
الفصل الثانيكيف نضمن نجاح العقوبة و إتيانها بالنتائج المرجوة
تعتبر العقوبة ناجحة ليس عندما تحدث ألما للجاني و لكن عندما تغير الإنسان بصورة تحقق الأمن المجتمعي. و ليضمن نجاح العقوبة استخدم الإسلام عدة طرق فيما يعرف بـ (آيات العقوبات في القرآن) مثل:
يقول تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) - سورة الكهف آية 49
عنما يتعلق الأمر بالنار و هي أشد عقوبة ممكنة فإن من يعاقب البشر هو رب عليم و رحيم و متفهم لطبيعتهم لهذا فإن إحتمالية الظلم في هذه الحالة = صفر فهو العليم بنا و العالم بالنوايا و الأهداف فإذا قرر سبحانه و تعالى أن شحصا ما يجب أن يعاقب بالنار فإن هذه العقوبة قد بنيت على معلومات دقيقة مما يعتي أن العقوبة على قدر الذنب دون شك
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ((قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي)) – (صحيح مسلم – كتاب التوبة - باب فِي سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهَا سَبَقَتْ غَضَبَهُ – كتاب 50 حديث 18)
لاحظ أن مفهوم المغفرة دائما ما يرتبط ارتباطا وثيقا بمفهوم العقاب في النار و يمكنني أن أؤكد لك عزيزي القاريء أنك لن تجد آية تتحدث عن العقاب في النار الا و تجدها مصحوبة إما بالمغفرة أو بالقدرة الإلهية اللانهائية
هذا الربط الدائم بين العذاب في النار و المغفرة الهدف منه عدم إشعار المخطيء باليأس أو أن الله تعالى يكرهه و أنه لن يغفر له أبدا. الإسلام يحارب بشدة هذا اليأس لأن الله تعالى دائم المغفرة و الرحمة و ستظل رحمته و مغفرته طالما الإنسان يستغفر و لكن –للأسف- مع هذه المغفرة اللانهائية يظن البعض أن بإمكانه أن يتوب (لاحقا) لهذا توجد في القرآن الكريم بعض الآيات ذكر لقدرة الله تعالى و علمه اللانهائي دون ذكر مفهوم المغفرة...هذه الآيات موجهه لمثل هذا الصنف من البشر لتعليمهم أنه صحيح أن الله تعالى (غفور رحيم) لكن إحذر فهو أيضا (عليم قدير) و من ثم لن تستطيع خداعه فليغفر الله تعالى لك لابد أن تتوب حقا عن الخطأ أما تأخير التوبة معناه أنها توبة غير صادقة كما يجب أن تتذكر أن الأعمار لا يعلمها إلا الله تعالى و من ثم لا تعلم لعل أجل الإنسان ينتهي قبل أن يتوب لهذا إحتاج هذا الصنف المتكاسل من البشر لنوع من التهديد القوي ليبادروا بالتوبة و لا يؤجلوها
يقول تعالى في القرآن الكريم: (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) - سورة الأنعام آية 54
في القرآن الكريم ذكرت (النار) 77 مرة و هو نفس عدد مرات ذكر كلمة (الجنة) كما ورد لفظ (الجزاء) ومشتقاته (117) مرة ولفظة (المغفرة) ومشتقاتها ضعف ذلك وهو (234) مرة
و تاريخ نبينا صلى الله عليه و سلم و الخلفاء الراشدين الأربعة يؤكد هذا المبدأ فعندما دخل النبي صلى الله عليه و سلم مكة منتصرا ليواجه من طارد وعذب و قتل المسلمين حتى أنهم تآمروا على قتل النبي صلى الله عليه و سلم ثم سألهم: (ماذا تظنون أني فاعل بكم) فقالوا: (أخ كريم و ابن أخ كريم) فقال صلى الله عليه و سلم: قال: ((إذهبوا فأنتم الطلقاء))
و في فترة المجاعة (في ما سمي بعام الرمادة) في عهد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ثاني الخلفاء الراشدين أوقف الخليفة العادل رضي الله تعالى عنه تنفيذ حد السرقة لأنه علم أنه في وقت يجوع فيه الناس فالظروف تضطرهم أحيانا لسرقة الطعام كي ينقذوا أنفسهم و أهلهم من الموت جوعا
إذن السبب الرئيسي من ذكر (آيات العقوبة) في القرآن الكريم هو رحمة الله تعالى بالبشر و ليس إرعابهم بالضبط –و لله المثل الأعلى- كما تفعل مع إبنك عندما تخوفه من إتيان فعل معين حرصا عليه و على الأخرين فأنت تخوفه لتنقذه و تنقذ الآخرين فهو عمل بدافع الحب و الرحمة و ليس الطغيان و فرض السيطرة