موقع السراج
الرد على مزاعم وجود أيات عنف في القرآن الكريم
آيات الجهاد...المعنى الحقيقيالآية (216:2)
تقول الآية الكريمة: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) – سورة البقرة آية 216
و مع القراءة المتأنية للآية نلاحظ الآتي:
- نلاحظ أن الآية تذكر (القتال) و ليس (الهجوم) أو (الغزو) مما يعني:
- أن المسلمين في هذه الآية يقاتلون مقاتلون و ليس افراد مدنيين لأن (القتال) معناه مواجهه بين محاربين في ساحة قتال و هو المعنى الذي استخدمت به كلمة (القتال) في آيات القرآن الكريم
- (القتال) في الإسلام دائما ما تحكمه قواعد و آداب الجهاد و أولى هذه الآداب أن (القتال) لا يكون إلا ضد من بادر بالعداء و التعدي ضد المسلمين و ليس فعلا هجوميا يبادر به المسلمون و بالتالي فإن أية إدعاء أن الآية هو دعوة مفتوحة للقتال التعدي هو محض إفتراء
- أوجب الإسلام على المسلمون الدفاع عن أنفسهم و حقوقهم و الانتصار للعدالة و الحق و يكفي أن نستشهد بالآية الكريمة من سورة النساء آية 75 قال تعالى: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا)
- لم تنزل الآية الكريمة لحادثة تاريخية محددة و إنما تنزلت حاملة أحكام عامة للمسلمين لإعدادهم لما سيواجهونه مستقبلا حيث سيضطروا للقتال دفاعا عن أنفسهم و عقيدتهم
- تذكر (وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) بمعنى أن المسلمين كرهوا القتال و أنهم دفعوا اليه ولهذا فالمسلمين ليسوا مصاصي دماء متعطشين لأمتصاص دماء الآخرين و إنما هم أناس ضحوا بحياتهم للمحافظة على عقيدتهم إذا هاجمهم أحد و يجب هنا أن ننوه أنه في الماضي كان على المقاتل إعداد فرسه و سلاحه و هو ما كان يمثل عبء مادي كبير على المقاتل خاصة إذا علمنا أن معظم المسلمين كانوا من الفقراء
- هذه الآية الكريمة تعكس فهما عميقا للطبيعة البشرية فمن غير المنطقي أن نفترض أن المسلم لا يهاب الحروب و لا يخشى خوضها و إنما تفهمه لمخاطرها هو في الحقيقة سر عظم تضحيته لأنه يدرك تماما انه قد يفقد حياته في أية لحظة و لكن الله تعالى المتفهم لخلقه العليم بما يجيش في صدورهم ينبههم أنه تعالى يتفهم هذه الطبيعة و لكن علمه تعالى أكبر و أجل فلا يحكموا بعلمهم المحدود لانه تعالى الأعلم بما فيه الخير لهم
- هذه الآية الكريمة ترتبط ارتباطا وثيقا بالآية السابقة لها حيث يقول الله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) – سورة البقرة آية 215 فاللآيتين الكريمتين يستعرضوا أوجه البر المختلفة و التضحية إحقاقا للحق فالآية 215 تمثل التضحية بالمال بتوضيح لمن يكون الإنفاق بينما الآية 216 تمثل التضحية بالحياة بخوض القتال إعلاء للدين و ما يحمله للبشر من قيم العدالة و الرحمة
- عندما تكون قوة عسكرية قاهرة فعندما يذكر القتال تتخيل الغنائم مباشرة و لكن كيف الحال و انت الأضعف من حيث العتاد و العدة..بلا شك في أنك تحتاج من يشجعك و يطمئنك.. هذا ما تفعله الآية الكريمة...تشجع المسلم و تطمئنه و هو يستعد لخوض معركة هو الطرف الأضعف فيها وفقا لمقاييس البشر التقليدية
نفس الفكرة نجدها في الآيتين الكريمتين من سورة البقرة حيث يقول تعالى: (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) – سورة البقرة 249-250 ففي الآيتين السابقتين يعطي الله تعالى مثالا حقيقيا من التاريخ لوضع مماثل لما كان المسلمون عليه فها هي فئة مؤمنة تواجه قوة أكبر منها بالمقاييس البشرية و رغم الخوف و القلق كان هناك من قال : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) فالفئة التي ثبتت المؤمنين هم (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو اللَّهِ) فهم أهل البصيرة العالمين أن الله هو وحدة القادر على تغيير المقاييس التقليدية فينتصر الأقل عتادا و عدة بقوة ثقته في الله تعالى
هل من المنطق أن يشن المسلمون حربا –وهم أهل الحرب العالمين بخباياها- ضد عدو أقوى منهم عتادا و عدة لمجرد الطمع في الغنائم... أظنهم أكثر ذكاء وواقعية من ذلك
و إنما المنطق يقول أنهم حاربوا لانه لم يعد أمامهم الا الخيار الصعب و الأكثر كراهه لهم فإما القتال دفاعا عن عقيدتهم و مبدأهم أو الفناء