موقع السراج
الرد على مزاعم وجود أيات عنف في القرآن الكريم
آيات الجهاد...المعنى الحقيقيالآية (191:2)
قال تعالى: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) – سورة البقرة آية 191
كالعادة تم استقطاع الآية خارج سياقها فلنضعها في سياقها أولا قال تعالى في سورة البقرة: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) - سورة البقرة من آية 190 حتى اللآية 194
الخلفية التاريخية
محاربة المعتدي كان محرما على المسلمين خلال الثلاثة عشر سنة الأولى من بعثة الرسول صلى الله عليه و سلم و لكن بعد هجرة المسلمين الى المدينة نزلت هذه الآية للسماح للمجتمع المسلم الوليد بالدفاع عن نفسه مه ملاحظة أنه عندما هاجر المسلمون الى المدينة هربا بدينهم من التعذيب و الملاحقة من كفار مكة فما كان من كفار مكة الا ان قاموا بمصادرة أموال المسلمين و منازلهم دون وجه حق
إذن ما هي المشكلة في الآية السابقة؟
حقيقة فإن الآية 191 من سورة البقرة واجهت اتهامين و الآن و قد وضعنا الآية الكريمة في سياقها الصحيح فلنناقش بعقلانية ما تواجهه هذه الآية الكريمة من اتهامات
الإدعاء الأول: أن الآية تعطي المسلمين الحق في المبادرة بإعلان الحرب (دون اعتداء سابق)
برجاء ملاحظة الآتي:
- أن الآية السابقة للآية 191 مباشرة اي الآية 190 تقول: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) – سورة البقرة 190 معنى هذا أن المبادرة بالإعتداء لم تكن من المسلمين و انما قاتل المسلمين دفاعا عن انفسهم فالقاعدة العامة أنه لا يحل القتال إلا اذا تم الإعتداء على المسلمين و حتى في هذه الحالة يلزم الإسلام المسلمين بأخلاق الحرب في الإسلام و الالتزام بالقاعدة الذهبية و هي (ولا تعتدوا) و الجهاد لا يكون لمنافع دنيوية او من أجل السلطة أو حتى الانتقام بل الجهاد سببه إما الدفاع عن النفس و الممتلكات أو دفاعا عن حرية الناس خاصة حرية العبادة اذا حدث إعتداء على هذه الحرية
- تقول الآية بوضوح تام: (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) و هو دليل آخر على أن الإعتداء لم يبدأ به المسلمون كما تقر الآية أن العقوبة من جنس العمل
- حتى عندما اضطر المسلمون للقتال دفاعا عن أنفسهم وجب عليهم الالتزام بالقاعدة الثانية التي وضعتها الشريعة الإسلامية للحرب و هي (فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) – سورة البقرة آية 192
- تقول الآية بوضوح: (وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) بمعنى أن القتال عند المسجد الحرام محرم شرعا إلا في حالة واحدة إذا قاتلوكم عند المسجد الحرام عندئذ يحق للمسلمين أن يقاتلوا عند المسجد الحرام دفاعا عن أنفسهم مما يؤكد ايضا فكرة أن المسلمين لم يكونوا المبادرين بالإعتداء بدليل انهم لم يختاروا ساحة القتال و إنما فرضها عليهم عدوهم المعتدي
- الآية 194 من سورة البقرة تقول: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) هو دليل آخر أن المسلمين لم يكونوا المبادرين بالعدوان و إنما كان القتال ردعا للعدو المعتدي حيث أن القتال في الأشهر الحرم محرم في الإسلام و لكن العدو المعتدي هو الذي اختار توقيت القتال لى أمل ان يرفض المسلمون القتال في الأشهر الحرم و لكن الآية الكريمة خيبت أملهم و أعطت المسلمين الحق في القتال دفاعا عن أنفسهم و لهذا قالت الآية: (فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) فبالله عليكم كيف تعمى بصيرة إنسان لدرجة الا يرى انها حرب دفاعا عن النفس فهي حرب لم يختار المسلمون مكانها ولا توقيتها فكيف يكونوا الطرف المعتدي فيها؟؟
- هناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تحمل نفس المعنى و منها: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) – سورة الحج آية 39
الإدعاء الثاني: أن الآية تعطي المسلمين الحق في إعلان الحرب لإجبار الناس على اعتناق الإسلام
بعض الناس إما عن جهل أو عن غرض دنيء في أنفسهم يدعون ان (الفتنة) معناها: عدم الإيمان و عبادة شركاء لله تعالى و يدعون أن الهدف الوحيد وراء الحروب التي خاضها المسلمون كان فرض الإسلام على الناس. فلنفترض أن عذرهم جهلهم و من ثم سنحاول شرح ما قد لا يعرفونه رغم ما يبدو من سذاجة هذه الفرضية
لتوضيح معنى (الفتنة) فالإجابة تقع في شقين أحدهما لغوي مرتبط بالتفسير اللغوي لكلمة (فتنة) و الآخر تاريخي مؤيد بالأمثلة تاريخية لا خلاف عليها
أولا: التفسير اللغوي
- ما هي (الفتنة)
قال الأزهري: "كلمة (فتنة) تتضمن معاني الابتلاء ، والامتحان وأصلها مأخوذ من قولك : فتنتُ الفضة والذهب ، أذبتهما بالنار ليتميز الردي من الجيد ، ومن هذا قول الله عز وجل : (يوم هم على النار يفتنون) – سورة الذاريات آية 13 أي يحرقون بالنار و قوله تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ) – سورة العنكبوت آية 2
ففي الآية السابقة معنى أن المسلمين سيتم اختبارهم امعرفة درجة ولائهم و ثباتهم لإيمانهم من خلال خوض الصعاب و الحروب دفاعا عن دينهم مع ما في الحروب من إحتمالية ان يقتلوا فإذا صح إيمانهم سيقاتلون بإرادة قوية و عزيمة دفاعا عن عقيدتهم رغم علم الله تعالى بكراهية الإنسان للحرب لما فيها من فظائع و أهوال. - (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ)
في القرآن الكريم آيات تمنع منعا باتا الإكراه في الدين مثل:
(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) – سورة البقرة آية 256 و قوله تعالى : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) – سورة الكهف آية 29 و قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) – سورة يونس آية 99إذا كان المطلوب إرغام الناس على الإسلام فكيف يمكن موافقة ذلك مع الآيات السابقة و كيف يمكن موائمة الآيات السابقة مع الآية (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) لما قد يبدو تعارضا في الوهلة الأولى
نحن كمسلمين نعلم يقينا أن لا يمكن أن تتعارض آيتان في القرآن إذن كيف يقول القرآن في آية (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) و في أخرى (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ)التفسير حقيقة بسيط جدا. فرض الله تعالى على المسلمين إيصال رسالة الإسلام للعالم أجمع لأن الإسلام ليس للعرب فقط و إنما هو رسالة من الله تعالى للبشرية ككل و على كل مسلم نقل هذه الرسالة بأمانة و التأكد من إيصالها بوضوح تام لا بسمح باللبس في فهمها ثم ضمان و كفالة حرية الإختيار سواء كان إختيار من وصلته الرسالة إعتناق الإسلام أو غيره فمن حقه الإختيار بحرية و على المسلم ضمان أن الإختيار قد تم بحرية مطلقة دون إكراه أو إرهاب
في حقيقة الأمر فمن واجب المسلمين القتال إذا واجههم من يعيق إيصال رسالة الله للناس فالحرب هنا ليست بغرض إجبار الناس على الإسلام و إنما لضمان حرية إختيارهم لدينهم
ثانيا: الإثبات التاريخي
عندما فتح الله تعالى للمسلمين مصر في عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كانت مصر جزء من الإمبراطورية البيزنطية لمعرفة أحوال المصريين في هذه الفترة برجاء الضغط على الرابط:
و إليكم ترجمة بعض اجزاء هذه المقالة: (( لحوالي قرنين من الزمان كانت عقيدة الطبيعة الواحدة للسيد المسيح –عليه السلام- عنوان المقاومة القومية و الدينية في مصر ضد السلطة السياسية و الدينية للبيزنطيين. كانت الكنيسة المصرية مضطهدة بشدة من قبل البيزنطيين فاغلقت الكنائس و قتل المسيحيون الأقباط و عذبوا و نفوا لإجبار الكنيسة المصرية على قبول الأرثدوكسية البيزنطية
قاومت الكنيسة المصرية و استمرت في تعيين البطارقة (الآباء) الخاصة بها و رفضت من اختارهم قسطنطين (الحاكم) و حاولت خلعهم (طردهم). وكان إنفصال الكنيسة المصرية عن الكنيسة الكاثوليكية في القرن الخامس هو السبب الأساسي في تحويل الكنيسة القبطية الى كنيسة أهلية لها عاداتها الراسخة التي لم تتغير حتى اليوم
في القرن السابع كانت الملاحقات الأمنية و الضغوط الناتجة عن الضرائب الباهظة السبب الاساسي للكراهية الشديدة للبيزنطيين و من ثم لم يقاوم المصريون الغزو الإسلامي لمصر))
هكذا كانت احوال المصريين المسيحيين و إذا بحثت بعمق في التاريخ الروماني سترى ما لا تتخيل عن الطرق التي إتبعها الرومان لمحاولة وقف انتشار المسيحية في مصر فمن الملاحقات الأمنية و التعذيب و القتل للمسيحيين و ما لا تتصوره من طرق الإضطهاد الديني
و يعتبر قمة الأضطهاد الديني ضد المسيحيين في عهد (دقلديانوس) الذي سمي بـ (عصر الشهداء) حيث تفنن في تعذيبهم و ممارسة القتل الجماعي ضدهم حتى اتخذت الكنيسة المصرية عهدة بدء للتقويم القبطي المصري و الذي بدأ في 29 أغسطس عام 284 حسب التقويم جوليان لهذا كان رمز التقويم القبطي A.M. بمعنى (Anno Martyrum) اي عام الشهداء. لمعرفة المزيد برجاء الضغط على الرابط: Wikipedia - The Coptic calendar
حارب المسلمون البيزنطيين و من ثم حرروا شعب مصر من هذا الإحتلال البغيض ثم ماذا فعل القائد المسلم هل إضطهد و قتل المسيحيين؟ هل أجبرهم على اعتناق الإسلام ؟ على العكس سأترجم لكم بعض مقطتفات مما قالته ويكيبيديا عن هذه المرحلة
Wikipedia - Muslim conquest of Egypt
في كتابه (الفتوحات العربية الكبرى) للكاتب هيو كينيدي يقول:
((الشعب المصري كان يقع تحت ضغط شديد جدا من الكنيسة الرومية الأرثوذكسية البيزنطية فكان البابا المصري بنيامين هاربا في مغاور الجبال والصعيد، وأخو بنيامين قتل سحلا بالخيل علي أيدي البيزنطيين في الإسكندرية وعدد كبير جدا من الأقباط الأرثوذكس قتلوا أو سحلوا وعدد كبير جدا من كنائسهم وأموالهم صودرت، لذلك عندما دخل المسلمون ساعدهم المسيحيون. حتى أن البابا بنيامين قال:"الرب شاء أن أبناء اسماعيل المسلمين ينتصرون" وطلب من الأقباط المسيحيين أن يساعدوا المسلمين وهذا التحالف هو الذي حفظ الكنيسة الأرثوذكسية والكرازة المرقسية في مصر لأنه لو ظل الرومان في مصر لاستمر قضاؤهم علي زعامات الكنيسة المصرية المرقسية ومصادرة أملاكها))
و قال ايضا: ((كان هناك دعم من ميسحيي مصر لعمرو بن العاص و عندما دخل عمرو الاسكندرية قام بارسال تصريح أمان للبابا بنيامين و دعوته للعوده الى الاسكندرية. و عندما وصل الى الاسكندرية أحسن عمرو بن العاص استقباله و طالبه بالعودة كرئيس للكنيسة القبطية المصرية كما قام بترميم الأديرة في وادي النطرون التي دمرها المسيحيون الخلقيدونيون و مازالت هذه الأديرة قائمة و فعالة حتى الآن))
و نرى حالة مشابهه في الأندلس حيث كان اليهود مطاردين مضطهدين فأنقذهم المسلمون عندما غزوا أسبانيا فانتعشت ثقافتهم و ازدهرت و اعتبروا عصر حكم المسلمين للأندلس (العصر الذهبي للثقافة اليهودية في أسبانيا)
و لهذا فإن محاولة الادعاء أن غزوات المسلمين هدفها إجبار الناس على اعتناق الإسلام يعكس إما جهل مدقع أو تحامل بغيض