موقع السراج
الرد على مزاعم وجود أيات عنف في القرآن الكريم
آيات العنف...المعنى الحقيقيسورة 9 الآية 73
يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) – سورة التوبة آية 73
هذه الآية الكريمة نزلت تأمر النبي صلى الله عليه و سلم أن يجاهد فئتين من الناس و هم الكفار و المنافقين
ما المقصود بقوله تعالى (جَاهِدِ الْكُفَّارَ)
كلمة (جَاهِدِ) فعل يستوجب وجود طرفين إذن فهو ليس فعل من طرف واحد...وفقا لشرح الشيخ الشعراوي رضي الله تعالى عنه فإن كلمة (جَاهِدِ) لها مراحل أولها بالنقاش و محاربتهم لا بالسلاح و إنما بالحجة و المنطق و الإقناع العقلي لعلهم يتراجعون عن عدائهم فإذا اصروا على إفعالهم و إستمروا في قتال المسلمين و إستعدائهم تأتي المرحلة الثانية و هي (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) و المقصود بها لا القتال بالسيف و إنما بإظهار ما ينتظرهم من عقوبات في الآخرة لعل ذلك يكون رادعا لهم ليتخلوا عن عنادهم
علام يجاهدهم النبي صلى الله عليه و سلم؟ هل يجاهدهم ليرغمهم على إعتناق الإسلام؟ في الحقيقة لا فالمقصود من (جَاهِدِ) هنا هو إقناعهم بالكف عن قتال المسلمين و الوقوف حائلا دون إنتشار الإسلام فالكافر إذا عاش في دولة مسلمة لا يحق للمسلمين إجباره على إعتناق الإسلام فللكافر في الدولة الإسلامية الحق كاملا في إعتناق الإسلام أو البقاء على دينه و الدليل في هذه الآية الواضحة تماما بحيث لا تحتاج الى شرح حيث يقول تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) – سورة الكهف آية 29
لغير المسلم في الدولة الإسلامية الحق في أن يعتنق الدين الذي يختاره دون قيد أو ضغظ أو تهديد بشرط أن يحيا في سلام مع المسلمين في هذه الحالة لا يبيح الإسلام للمسلم قتاله أو إيذائه بأية وسيلة و للمسلم فقط الحق في مناقشته بالحسنى و محاولة إقناعه بالمنطق دون ضغط و توضيح أن لكفره عقوبة في الآخرة أما إذا أصر على عادئه للمسلمين و حاك المكائد ضدهم و لم يراعي حقوق التعايش السلمي بين جميع الأطراف ففي هذه الحالة فقط يحق للمسلمين دفاعا عن أنفسهم و دينهم أن يقاتلوه
الخيار الثاني هو ما تناقشه الآية الكريمة و هو خيار إستخدام الإقناع العقلي و يليه (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) بمعنى وضح لهم تبعات و مغبة إختيارهم الكفر يوم القيامة (و هي عقوبة إلهية ليست بيد المسلمين كأن نقول له أن مصيرك سيكون جهنم) لكن دون ضغط أو إجبار أو ملاحقة
ما المقصود من قوله تعالى (جَاهِدِ) المنافقين ؟
المنافق هو من إدعى الإسلام و لكنه يضمر في داخله عداء للإسلام و المسلمين و هو أشد خطورة من الكافر لأنه كراهيته مستترة...فالكافر الذي يقاتل المسلمين صراحة هو عدو واضح بينما المنافق هو عدو مستتر و بالتالي فهو أشد خطرا على المسلمين لنه يدعي الإسلام بينما يستغل ثقة المسلمين به في نشر الشائعات المدمرة بينهم و التآمر عليهم دون أن يتوقعوا منه الشر
و للمنافق سمت سلوكيات ثابت و منها أنه يخطيء ثم ينكر هذا الخطأ و هذا السلوك وصفته آيات كثيرة منها قوله تعالى: (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ ) – سورة التوبة آية 56
و قوله تعالى: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ) – سورة التوبة آية 62
و قوله تعالى: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) – سورة التوبة آية 74
و المقصود بقوله تعالى (وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا) إختلف المفسرون في تفسيرها و يفسرها السعدي أن ذلك كان حين هموا بالفتك برسول اللّه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فقص اللّه عليه نبأهم فأمر من يصدهم عن قصدهم
إذن وصل بهم العداء و الكراهية أن تآمروا لقتل النبي صلى الله عليه و سلم و لكنهم دأبوا على إنكار جرائمهم و كان النبي صلى الله عليه و سلم يتسامح معهم و يتقبل إنكارهم و أعذارهم رغم علمه صلى الله عليه وسلم بكذبهم و لهذا فإن الله تعالى في الآية (9:73) يأمر نبيه صلى الله عليه و سلم أن يعاقبهم لسوء أفعالهم فالأمر هنا بمعاقبتهم لا بقتلهم
أين المشكلة هنا ؟ أين العنف في معاقبة شخص على أفعاله السيئة التي أساءت لغيره و هي الأفعال التي فعلها بمحض إرادته ؟ لا تنسى أن عدم معاقبتهم على أخطائهم السابقة (مثل نطق كلمة الكفر) جعلهم يستبيحون رفع مستوى العداء ليصل الى محاولة قتل النبي صلى الله عليه و سلم فأين الخطأ في تغير رد الفعل من التسامح التام الى المعاقبة لمن زاد عداءه حتى وصل مرحلة التآمر للقتل؟ حقيقة عدم إتخاذ رد فعل لائق يعتبر ضعف غير مفعول