موقع السراج
الرد على مزاعم وجود أيات عنف في القرآن الكريم
آيات العقوبة...المعنى الحقيقيسورة 17 الآية 16
تقول الآية الكريمة: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) - سورة الإسراء أية 16
شرح الآية الكريمة
التفسير الأول:
يقول تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً) هذه (الإرادة) أساسها علم الله تعالى بأفعالهم –و إن لم يقوموا بها حتى الآن - كما يعلم أنهم لن يتوبوا مهما طال بهم الزمان فهو يرى قلوبهم و يعلم تماما ما بها لذا فهو يعلم أن فسادهم سيطغى على سلوكهم و أنهم لن يتراجعوا عنه...في نفس الوقت فإن من رحمة الله تعالى أنه لا يعاقب أحد على فعل لم يقوم به بعد رغم علم الله تعالى أنه سيقوم بهذا الفعل السيء و من ثم تأتي (أَمَرْنَا) أي أنه تعالى يرسل اليهم من يحذرهم من مغبة أفعالهم (الرسل) و يحاول تقويمهم و إعادتهم للطريق الصحيح و لهذا عندما يرفضون بكامل إرادتهم (تذكر أن الرسل لا يجبرون أحدا على إختيار معين) أصبح العقاب حق عليهم و من ثم يدمرهم الله تعالى جزاء لأفعالهم التي قاموا بها بكامل إرادتهم الحرة و إنقاذا للعالم من شرورهم
التفسير الثاني:
التفسير الثالث:
و من ثم عندما يقول تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً) بمعنى أن الله تعالى قد إقتربت من تدمير هذه القرية نظرا لشدة فسادهم و لكن لرحمته تعالى تأتي (أَمَرْنَا) أي أنه تعالى يرسل اليهم من يحذرهم من مغبة أفعالهم (الرسل) و يحاول تقويمهم و إعادتهم للطريق الصحيح فإذا أصروا على تجاهل الأنبياء مع ما يحملوه من رسالات و ما يقدموه من معجزات للتحقق من صدقهم عندئذ حق عليهم العقاب
و الدليل على ذلك قوله تعالى: (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا) – سورة الكهف آية 77 فلاحظ هنا اللفظ القرآني (فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ) أي أن الجدار كان على شفا الإنهيار لهذا المصطلح العربي (يريد أن يفعل شيئا) تعني أنه هذا الشيء على وشك الحدوث
من الذي يعاقب القرية؟
لماذا عاقب الله تعالى القرية ؟
أليس هذا ما قد يلجأ اليه الآباء أحيانا لتأديب الأبناء..التهديد بالعقوبة و التحذير من عواقب إتيان فعل معين رادع قوي للشخص و المحيطين به فالأهل حين يقدمون على ذلك فهو بدافع الرحمه ليس لأنهم يتمتعون بإرهاب الأبناء
متى يعاقب الله تعالى القرية؟
لماذا (مُتْرَفِيهَا)
الإستنتاج
يحفز الرسل الناس على إتباع منهج الله عن طريق توضيح مكافأة الله تعالى لمن يتبع منهجه في الحياة الدنيا و في الآخرة فإن لم يستجيبوا فيوضحوا لهم مغبة إنكار منهج الله تعالى و رفضه و إنعكاس هذا الرفض على حياتهم (أقرب لحياة الغابة حيث لا أمان و لا رادع) و آخرتهم (العذاب في النار) فإن لم يستجيبوا حق عليهم العذاب ليكونوا عبرة لسائر خلق الله. هذه العبر هي حماية للمجتمعات البشرية من تكرار نفس السلوك بالتنكر لمنهج الله تعالى و الإصرار على الإنصياع لهوى النفس حتى تبصر الناس بأهمية تجنب تعرضها لمصير مماثل و من ثم يحيا البشر في تعايش سلمي
فلنفكر لثانية هنا...اية استراتيجية تخلق المجتمع العنيف؟ هل من الأفضل أن نخبر البشر أن عليهم أن يحيوا حياة مستقيمة ملتزمة بمنهج الله الذي يضمن الحقوق و الحريات و يحافظ عليها و إلا تعرض المجتمع لغضب الله تعالى لتجاوزهم في حقوق بعضهم البعض و فسادهم...أم من الأفضل أن نترك البشر دون إخبارهم بشيء و ندعهم يحيون كما يريدون دون رادع فيعتدي القوي على الضعيف و هكذا حتى تصير الحياة في هذا المجتمع غابة حقيقية؟...أية مجتمع نريد أن نحيا فيه؟ أليس من المفيد أن يشعر القوي أن هناك قوة عادلة قديرة قادرة على معقابته و إعادة الحق لصاحبه؟...بالله عليكم أين الدعوة للعنف هنا...هل عندما تهدد المخطيء و توضح له أن عليه أن يصلح من نفسه و إلا سيواجه عواقب حقيقية لظلمه من إله عليم قدير أم العنف يتولد في المجتمع عندما يشعر القوي أن بإمكانه فعل ما يريد دون حساب
لاحظ هنا أن الآية الكريمة لم تذكر فرض دين على أحد فلم يقول تعالى أنه إذا لم تكونوا مسلمين فسيعاقبكم الله لان فرض الدين ليس الهدف الأساسي و إنما المقياس هو درجة صلاح المجتمع و إحترام الناس حقوق و حريات بعضهم البعض دون تجاوز و هو أساس الرسالات السماوية و لب ما جاء به كل الأنبياء عليهم السلام جميعا
فلنبدأ بشرح الآية الكريمة و التي لها ثلاثة تفسيرات و هي:
دون شك الله تعالى يعلمنا جيدا فهو خالقنا ولله تعالى سنة في خلقه أنه إذا وجد من خلقه من بلغ أقصى درجات الفساد في الأرض أضف الى ذلك علم الله تعالى أن هؤلاء القوم لن يتوبوا فماذا يفعل بهم و هم ينشرون فسادهم و أذاهم في الأرض؟
معنى (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً) أي عندما تفسد قرية تماما و يقوم أهلها بأفعال لا ترضي الله تعالى فينشروا فسادهم و من ثم إستحقوا العقاب على أفعالهم و انحطاط أخلاقهم ففي هذا التفسير قام أهل القرية بالأفعال السيئة بالفعل و أصروا عليها و لكن لأن الله تعالى صبور رحيم فإنه تعالى لا يعاقبهم فورا و إنما يرسل اليهم الرسل و من ثم تأتي (أَمَرْنَا) أي أرسلنا لهم الرسل حاملين أوامر الله تعالى و نواهيه التي فيها صلاح البشرية و حماية الحقوق فإن أبوا و أصروا على الطغيان و الفساد و تناسوا تحذيرات الرسل و تعاليمهم و تناسوا المعجزات التي تثبت صدقهم هنا فقط أستحقوا العقاب المدمر
في اللغة العربية إذا قارب شخص ما الموت نقول (المريض يريد الموت) بمعنى إقترابه الشديد من الموت و بالمثل عندما نقول (التاجر يريد الإفلاس) بمعنى إقترابه من الإفلاس بالطبع المريض لا يشتهم الموت و التجار لا يتمنى الإقلاس و لكنها إحدى المصطلحات اللغوية في اللغة العربية
في السورة 17 الآية 16 لاحظ أن الله تعالى توعد القرية بالعقوبة و أنه هو تعالى من سيعاقب لم يأمر المسلمين بتدمير القرية و إنما هو سبحانه و تعالى من سيعاقب فأين الدعوة للعنف هنا؟ حقيقية هذه الآية دليل آخر أن الله تعالى لم يوكل البشر بمحاسبة بعضهم البعض فالثواب و العقاب بيد الله وحده و لا يحق للمسلمين التدخل و التدمير بزعم أن هذا الدمار لوجه الله تعالى لأن الله تعالى أوضح أن العقوبة بيده هو فقط و لا يحق للمسلمين التدخل طالما لم يقع إعتداء عليهم
العقاب في كثير من الأحيان ضرورة –مع الأسف- لضمان إستمرار حياة البشر سلميا. إذا لم يعاقب المذنب فإن سلوكه سيشجع الأخرين على اتيان نفس السلوك و من ثم تتحول الحياة الى غابة الكل يفعل ما يشاء دون رادع أو خوف من العقوبة في نفس الوقت تهديد المخطيء و مواجهته بمغبة أفعاله يجعله تعيد تفكيره و قد يجعله يعدل سلوكه
حتى يحق العذاب على قرية فإن رحمة الله تعالى تقتضي أن يرسل إليهم الرسل لتحذيرهم و هدايتهم للطريق الصحيح. يقول تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) – سورة الإسراء آية 15 و يقول أيضا: (ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ) – سورة الأنعام آية 131
ببساطة لأنهم الأكثر تمتعا بنعم الله تعالى من الفقراء لهذا فهم الأولى بالشكر لله تعالى. إذا سرق الفقير فهذا متفهم لكن عندما يسرق الغني فهذا أكبر دليل على فساده فهو يرتكب المعاصي لأنه (يريد) ليس لأنه (مضطر) كذلك خص بالذكر المترفين الذين هم سادتهم وكبراؤهم لأن غيرهم تبع لهم
لم يخلق الله تعالى القرى ليهلكها و خلق تعالى الإنسان ليحيا حياة مستقيمة حتى يحيا الجميع في سلام دون أن يحاول أحد التعدي على الآخر أو إنتقاص حقوقهم تحت أي ظرف أو لأي مبرر . إذا أصر الناس على الفساد و إضطهاد الآخر فإن الله تعالى لا يعجل بعقوبتهم و إنما يرسل إليهم الرسل ليهدوهم إلى طريق الحق و ليوضحوا لهم أن الإلتزام بمنهج الله في الحياة إنما الهدف منه إصلاح حياة البشر ليحيا المجتمع في أمان