موقع السراج
الرد على مزاعم وجود أيات عنف في القرآن الكريم
آيات الجهاد...المعنى الحقيقيالآيات (9: 38-41)
تقول الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ) – سورة التوبة آية 38
و للآية الكريمة قصة و لكن لنبدأ بوضع الآية في سياقها الحقيقي:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) - سورة التوبة من آية 38 حتى الآية 41
متى نزلت هذه الآية؟
نزلت الآية الكريمة اثناء غزوة تبوك و هي منطقة على الحدود الشمالية من الحجاز (المملكة العربية السعودية) حوالي 778 ميلا من المدينة المنورة
إمتد الإسلام إمتدادا سريعا و انتشر في الجزيرة العربية في منطقة الحجاز فكان هذا لافتا لنظر آخرين خارج حدود الجزيرة العربية لاسيما سوريا و هي في هذا الوقت إحدى مستعمرات الإمبراطورية الورمانية الشرقية و عاصمتها القسطنطينية. في هذا الوقت قررت الإمبراطورية الرومانية التصدي للمد الإسلامي و شرعت في تسليح القبائل على الحدود الشمالية بين الحجاز و سوريا مثل قبائل غسان و لخم و غيرهم
في هذه الحقبة كانت الإمبراطورية الرومانية الغريم الوحيد لإيران (إمبراطورية فارس) و لها قوة سياسية و عسكرية قوية و كانوا يتباهون بالهزيمة النكراء التي الحقوها بمنافسهم و عدوهم اللدود فارس (إيران) فكان الجيش الروماني أقوي جيوش الأرض
عسكر الجيش الروماني على حدود سوريا في قمة استعداده و تسليحه و انضم اليه مجموعة من القبائل العربية مثل لخم و عاملة و غسان و جذام و تقدمت طليعة الجيش الى البلقاء
بلغت أنباء المعسكر النبي صلى الله عليه و سلم عن طريق القوافل التجارية المسافرة بين سوريا و الحجاز فكان لابد من الإستعداد للمواجهه استعدادا يليق بقوة العدو الجبارة فأمر النبي صلى الله عليه و سلم لاإستعداد للمعركة
كانت معركة تبوك مثالا للفداء و التضحية من أجل الدفاع عن الدين ومعيارا دقيقا كاشفا لأهل النفاق و الإدعاء حيث أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالتحرك لملاقاة العدو في وقت كانت الحرارة شديدة و المسافة الى منطقة تبوك بعيدة و في هذا الوقت كان المجتمع المدني يتأهي لحصاد التمور و هي فترة ينتظرها الكل في المدينة لأن التمور سلعتهم الأساسية
تخلف البعض لأسباب مختلفة كشف عن وجههم الحقيقي فنزلت الآيات الكريمة تدين فعلتهم و تخليهم عن جيش المسلمين وقت الحاجة فالمواجهة مع قوى عظمى ليست هينة
وصل جيش المسلمين الى منطقة تبوك في بداية شهر شعبان سنة 9 هجريا و يبدو أن الروم لما بلغهم أمر جيش المسلمين وقوته وما عرفوه عن المسلمين فى مؤته من البسالة والإقدام آثروا الانسحاب من تبوك إلى داخل بلاد الشام للاحتماء بحصونها فلم يجد المسلمون أثراً لهم
وقد أدى انسحاب الروم و بقاء المسلمين فى تبوك بضع عشرة ليلة أو عشرين ليلة يتحدون فيها قوات الروم إلى توافد كثير من القبائل المسيحية الواقعة حول خليج العقبة لمصالحة الرسول والارتباط معه بمعاهدة صداقه كما تواصل النبي صلى الله عليه و سلم مع حكام القبائل الحدودية المقيمين حول منطقة تبوك و عقد معهم معاهدة عدم إعتداء أما المناطق البعيدة عن تبوك فقد أرسل إليهم النبي صلى الله عليه و سلم نائبين عنه لعقد معاهدات الأمان و عد الإعتداء معهم
و تواصل صلى الله عليه و سلم مع حكام جرباء و اذرح و آيلة و عقد معهم اتفاقية عدم الإعتداء. آيلة هي مدينة ساحلية على شاطيء البحر الأحمر و هي قريبة من سوريا و كان زعيمهم يسمى (يوحنا ابن روبه) و قد أتى النبي صلى الله عليه و سلم في تبوك و هو يرتدي صليبا ذهبيا كبيرا حول عنقه فعاهده النبي صلى الله عليه و سلم و اكرم وفادته و منحه الهدايا اللائقة
قرر يوحنا ان يظل على دينه المسيحية على أن يدفع الجزية (ما يعادل الزكاة عند المسلمين أو الضرائب في زماننا الحالي) و مقدارها ثلاثة آلاف دينارا سنويا و قد أقر الطرفان امعاهدة و اليكم جزء من سطورها: ((هذا عهد عدم الإعتداء بين الله و رسوله ليوحنا و سكان آيلة و بموجبه فإن كل وسائل النقل بالبحر و البر و كل الأفراد من سوريا و اليمن و الجزر و من معهم هم تحت حماية الله و رسوله و لكن إذا نقض أحد العهد فإن كل ما يملك لن ينجيه من العقاب. كل الطرق البرية و البحرية مفتوحة لهم و لهم حق استخدامها))
و قد أوردت جزء من هذا العهد لإيضاح أن كل أمة تعاونت مع المسلمين بطريقة سلمية تم منحها الإمتيازات و تم تأمينها من قبل المسلمين سواء إختاروا إعتناق الإسلام أم لا
كما عقد النبي صلى الله عليه و سلم معاهدات مع المناطق الحدودية مثل مناطق اذرح و جرباء لما لأراضيهم من أهمية إستراتيجية لتأمين الحدود الإسلامية من الجهة الشمالية. و الجدير بالذكر أن هذه الغزوة سميت (غزوة العسرة) لما لاقاه المسلمون في طريقهم الى ساحة القتال على الحدود السورية
و الآن لنلق نظرو متفحصة على لغويات الآية الكريمة:
- كلمة (انفِرُوا) تستخدم لبث الحماس في النفوس لمواجهة الإعتداء أو الإستفزاز لهذا فهي تعبر عن دفاع شرعيعن النفس و ليس عملا عدائيا بدأه المسلمون
- كلمة (اثَّاقَلْتُمْ) تعبر عن عدم الرغبة في القتال لاسباب عديدة منها:
- كانت غزوة (تبوك) تعتبر مواجهة مع أقوى جيوش الأرض في هذا الوقت
- كانت المسافة بين المدينة و تبوك طويلة جدا و منهكة للجيش
- كان الجو حار جدا في صحراء جرداء لا تحتمل
- كان المسلمون يستعدون لجني محصولهم من التمر و هو السلعة الأساسية التي ينتظرونها طوال العام
- في الآية الكريمة 39 من سورة التوبة يقول تعالى: (إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يهدد الله من يتقاعص عن نصرة الله و رسوله و الدفاع عن المجتمع الإسلامي الوليد ضد الخطر الداهم الذي يتهدده فيوضح ان المتقاعص سيعاقب...لا أعلم حقيقة لماذا يعتبر البعض هذا عدائيا فمثلا في عصرنا الحديث إذا تعرضت الدولة لخطر داهم يهدد وجودها و تم إصدار قرار بالإستنفار و الإستعداد للحرب دفاعا عن دولتهم و عائلاتهم ماذا تظن سيكون رد فعل القائد إذا علم بتقاعص بعض جنوده...بالنسبة للمسلم التهديد من الله تعالى يعتبر كافيا لأنه يوقن بقدرة الله تعالى على معاقبته
- في الآية (40:9) يقول تعالى: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ففي هذه الآية يعطي الله تعالى للمسلمين المترددين في الخروج مثالا حقيقيا شاهدوه بأعينهم لنصرة الله تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم وقت هجرة النبي صلى الله عليه و سلم من مكة للمدينة. هاجر النبي صلى الله عليه و سلم مع صديقه أبو بكر رضي الله تعالى عنه سرا و كادوا يكشفوا لولا رحمة الله تعالى و حمايته لنبيه و لاحظ معي دقة كلمة (أَخْرَجَهُ) لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يخرج بإرادته و إانما اضطر للخروج من مكة إضطرارا لتأمر ساداتها على قتله
- في الآية (41:9) قال تعالى: (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) يأمر الله تعالى المسلمين بـ(انفِرُوا) و المقصود بـ (خِفَافًا) أي مستعدين متحمسين للقتال بينما المقصود بـ (ثِقَالاً) من يصعب عليهم الخروج. و لاحظ كذلك كلمة (وَجَاهِدُوا) مما يوضح الصعوبة لأنك ستواجه جيش قوي معد لقتالك إعدادا ممتازا مما يعني أن غزوة (تبوك) لم تكن مفاجأة غير متوقعة للرومان و ليست عملا عدائيا ضد مدنيين و إنما قتال شديد ضد عدو قوي مستعد تماما لملاقاة المسلمين
الإستنتاج
حقيقة لا أفهم لم يعتبر البعض هذه الآية تحض على العنف بما أنها نزلت في معركة استعد المسلمون فيها لصد اعتداء أقوى جيوش الأرض عليهم فكيف أتوقع أية رد فعل من قائد هذا الجيش إلا ان يحمس جنوده و يحذرهم من مغبة التردد و التقاعص...فأين المشكلة ؟ لا أعرف