موقع السراج

مفهوم حرية الاختيار يعد محور رئيسي في تعاليم الإسلام ففي القرآن الكريم يقل تعالى: (لا إكراه في الدين) استوعب المسلمون هذا المبدأ ففهموا أن الله تعالى لا يريد للبشر الخضوع له بأجسامهم قصرا و إنما يريد منهم الخضوع لسلطانه بقلوبهم عن حب و إقتناع. اذن فالقلب هو الهدف لكل الرسالات الإلهية لأن الرحمة هي المحتوى الأساسي للإسلام و الرحمة محلها القلب

و بالتأمل في هذا الأمر يتضح لنا أن الحوادث الإرهابية يدعي فيها الارهابي انه يقوم بذلك جهادا في سبيل الله فهو ليس جهادا لأنه لا يحقق أي من شروط الجهاد السابق ذكرها حيث أن الهدف الأساسي من سن هذه الاشتراطات هو ضمان أن تكون الرحمة و العدالة هما المحرك الأوحد لقلوب و عقول المسلمين في كل الحالات بما فيها حالة الحرب و القتال

الهدف الأساسي من الجهاد ليس سلب الناس ممتلكاتهم و سفك دمائهم أو اجبارهم على اعتناق الإسلام و انما الهدف هو تحرير الناس من سجون الإضطهاد و الخوف ليفكروا و يختاروا بحرية بعد دراسة متأنية في بيئة هادئة و بمعلومات صحيحة فيكون الإختيار مبنيا على قناعات مسلحة بالعلم و الإقتناع العقلي التام

أما الأحداث الإرهابية التي نراها يجمع بينها شيء واحد: خسة المعتدي الذي يخون و يستهدف مدنيين و لا يحدث سوى إراقة دماء الأبرياء سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين
و مما يفطر القلوب حزنا أنه بينما الجهاد في الإسلام يعلم المسلم أن يكون نبيلا مدافعا عن حقوق الضعيف و مقاتلا قويا في وجه كل معتدي ظالم نرى الآن حفنة مارقة تدعي الجهاد في سبيل الله و تلصق نفسها بمبادئه العظيمة و هم ابعد ما يكونوا عن الإسلام و الجهاد.

فالمجاهد النبيل هو من يضع العدالة و الحرية نصب عينيه للناس جميعا بغض النظر عن قناعاتهم الدينية و بالتالي فإن مفهوم الجهاد كحرب مشروعة يصير حقيقيا حتى في مفاهيمنا المعاصرة وفقا لمعايير الأمم المتحدة. و قد كان النبي صلى الله عليه و سلم و قد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة في تطبيق مباديء الرحمة و العدالة و الحرية كما حددها القرآن الكريم فكان مثالا عمليا لتطبيق هذه المباديء كما يريدها الله تعالى أن تطبق

الإرهاب والإرجاف: 
قال تعالى: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) - سورة الأحزاب آيتي 60-62
و كلمة (مرجفون و مفردها مرجف) و ما يعادلها (إرجافيون و مفردها إرجافي) هي ترجمة محسنة لكلمة (إرهابي)
واصطلاحًا: يمكن أن يُعرَّف الإرجاف بأنه: بث ونشر الأخبار المثبِّطة والمحبطة؛ بغرض إحداث الاضطراب، وزعزعة الثقة، والأمنِ والإيمان في نفوس المؤمنين
وهي كلمة لها مفهومها السيئ الذي يعني إثارة الفتن والاضطرابات والقلاقل باستحلال الدماء والأموال بين أبناء المجتمع الواحد تحت دعاوى مختلفة منها: التكفير للحاكم أو للدولة أو لطوائف معينة من الناس، ومنها استحلال دماء المسلمين تحت دعوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو استحلال دماء غير المسلمين في بلادهم أو أولئك الذين دخلوا البلاد الإسلامية بدعوى أن دولهم تحارب الإسلام … إلى آخر ذلك من دعاوى الإرجاف التي يُسَوِّلُها الشيطان للمرجفين

هذه المفهوم يحدث عندما يقرر أحد أو مجموعة ما أن المجتمع كافر و بالتالي يعطوا أنفسهم الحق أن يقتلوا و يسرقوا و ينشروا الفساد و الرعب و الخوف بين الناس و في النهاية يدعون أن هذا جهادا

حقيقة هذا الغباء المدقع يثير دهشتي فالجهاد لابد أن يكون ضد من اعتدى عليك و بالتالي يكون ما تقوم به دفاعا شرعيا عن النفس و لكن أن تقتل بناء على حكمك انت الشخصي على الناس لأنك تتوهم أنك الأفضل و الأعلم فكيف يكون لهذا علاقة بالجهاد. هذه الإدعاءات استخدمها الأرهابيون مثل داعش لتبرير قتل مسيحيين و جنود مسلمين و قد سبقهم نظرائهم في مصر عندما استحلوا قتل كتاب مسلمين مثل فرج فودة و محاولة قتل الكاتب الكبير نجيب محفوظ الفائز بجائزة نوبل للأدب و لكنه انقذ بمعجزة

هذه المفاهيم المغلوطة المتشددة كانت –مع السف- سببًا لظهور الخوارج في زمن الصحابة ومن جاء بعدهم وشُبُهًا يبررون بها إفسادهم في الأرض وسفكهم للدماء المحرمة

ففي عهد الخليفة علي بن ابي طالب رضي الله تعالى عنه ظهرت جماعة الخوارج التي خرجت عليه رضي الله تعالى عنه لرفضهم التحكيم بعد أن عرضوه عليه فحاول ان يناقشهم بالحسنى فأرسل ابن عباس رضي الله تعالى عنه ليناقشهم فعاد البعض و أصر البعض على موقفه المتشدد. أوضح علي رضي الله تعالى عنه للخوارج أن من حقهم اعتناق الفكر الذي يريدون بشرط عدم التعرض بالإيذاء لأحد أيا كان و إلا قاتلهم بلا هوادة فاعتصموا لفترة ثم حاولوا إثارة الرعب في النفوس فقاموا بقتل عبد الله بن خباب بن الأرترضي الله عنه  وبقروا بطن جاريته، فطالبهم رضي الله عنه بقتلته فأبوا، وقالوا كلنا قتله وكلنا مستحل دمائكم ودمائهم، فسل عليهم رضي الله عنه سيف الحق حتى أبادهم في وقعة النهروان في عام 38 هـ

و قد كان النبي صلى الله عليه و سلم قد تنبأ بظهورهم فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن الصحابي الجليل أبي سعيدٍ الخُدْري أنه قال: بينما نحن عند رسول الله وهو يقسم قسماً -أي يقسم مالاً-، إذ أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله اعدل
فقال: ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبتُ وخسرتُ إن لم أكن أعدل
فقال عمر: يا رسول الله إئذن لي فيه فأضرب عنقه؟
فقال: دَعهُ، فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم -أي من شدة عبادتهم-، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم -والترقوة هي العظمة الناتئة أعلى الصدر أي يقرأون القرآن ولا يفقهونه- يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية قال أبو سعيد: فأشهدُ أني سمعت هذا الحديث من رسول الله ، وأشهدُ أن عليا بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه

و تقول دار الإفتاء المصرية في فتواها بين الجهاد والإرهاب وقتل المدنيين الآتي:

(وحينئذٍ فإن الحكم يختلف تبعًا لاختلاف المفهوم؛ فما تفعله هذه التيارات في بلاد المسلمين من قتل للسائحين، أو في بلاد غير المسلمين من عمليات انتحارية، أو غير ذلك من أفعال التخريب التي أفرزتها مناهج الإرجاف الضالة، فهذا كله حرام، وهو نوع من البغي الذي جاء الشرع بصده ودفعه، بل وقتال أصحابه إن لم يرتدعوا عن إيذائهم للمسلمين ولغير المسلمين مواطنين ومستأمنين، وتسميته جهادًا ما هو إلا تدليس وتلبيس حتى ينطلي هذا الفساد والإرجاف على ضعاف العقول، وهذا بَغْيٌ في الأرض بغير الحق يُعَدُّ أصحابُه بغاةً يُقاتَلون إن كانت لهم منعة وشوكة حتى يرجعوا عن بغيهم وإرجافهم)

و الاستنتاج
كل ما سبق يؤكد أن:

• المسلمين لم يفرضوا الإسلام على أحدو أنهم حقيقة آمنوا أن لب الفلسفة الإسلامية أساسه قوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) – سورة البقرة آية 256
• لا يحق للمسلم محاكمة أي إنسان يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) – سورة الحج آية 17

و لهذا فإذا رأيت الآن مسلم أو دولة مسلمة تتعدى إطار الفلسفة الإسلامية و أحكامها الواضحة فرجاء إعلم يقينا أنها نفوسهم و أنه خطأهم هم و ليس خطأ الإسلام فليس من العدالة أن تحكم على دين او فكرة بتصرفات من إدعوا إنتمائهم اليه لانك لا تستطيع أن تعرف أهدافهم الحقيقية و دوافعهم فربما ما بداخلهم يعارض ما يدعوه فالبعض اليوم يبرر عنفه و إجرامه بأنها تعاليم الإسلام التي تفرض عليه هذا السلوك فيكذبون على الله و يخرجون آيات القرآن عن سياقها الأصلي فيستنتجون أحكاما لا ترضي الله و لا رسوله كلها من أجل تدمير صورة الإسلام و تشويهه و تنفير الناس منه و هم حقيقة ألد أعداءه

يمكنك عزيزي القاريء معرفة المزيد عن الجهاد و أحكامه و كيف أسيء إستخدامه من قبل الجماعات الإرهابية من خلال قراءة كتاب الحرب الايديولوجية – دار الإفتاء المصرية تحارب الراديكالية للشيخ الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية من الرابط:
Dar Al-Iftaa AlMassriyyah - The Ideological Battle

رأي:
العديد من الكتاب و المؤرخين نفوا تماما فكرة انتشار الإسلام بحد السيف و البعض سخر من الففكرة لسذاجتها و العصر الحيث يدعم رؤيتهم حيث مازال الإسلام أحد أوسع الديانات انتشارا

يَقُولُ المؤرخ المعروف (دِي لَاسِي أُولِيرِي) مَا نَصُّهُ: (إِنَّ التَّارِيخَ يُؤَكِّدُ بِمَا لَا يَدَعُ مَجَالًا لَأَيِّ شَكٍّ أَنَّ خُرَافَةَ الِاجْتِيَاحِ الْبَرْبَرِيِّ لِمِسَاحَاتٍ شَاسِعَةٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَإِجْبَارِ النَّاسِ عَلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ بِقُوَّةِ السِّلَاحِ فَوْقَ رِقَابِ الشُّعُوبِ الْمَغْلُوبَةِ عَلَى أَمْرِهَا؛ إِنَّمَا هِيَ خُرَافَةٌ خَيَالِيَّةٌ مُضْحِكَةٌ عَارِيَةٌ تَمَامًا مِنَ الصِّحَّةِ وَبَعِيدَةٌ كُلَّ الْبُعْدِ عَنِ الْحَقِيقَةِ عَلَى نَحْوٍ نَادِرِ الْمِثَالِ فِي دُنْيَا التَّارِيخِ وَفِي عَالَمِ الْمُؤَرِّخِينَ) – من كِتَابُ (الْإِسْلَامُ فِي مُفْتَرَقِ الطُّرُقِ - لَدَي لَاسِي أُولِيرِي طَبْعَةُ لَنْدَن سَنَةَ 1923 الصَّفْحَةُ 8)

و يقول المؤرخ العالمي توماس كارليل في كتابه (الابطال و عبادة الابطال) ردا على مزاعم انتشار الإسلام بالسيف فقال: (لقد قيل كثير في شأن نشر محمد - صلى الله عليه وسلم - دينه بالسيف، فإذا جعل الناس ذلك دليلا على كذبه - صلى الله عليه وسلم، فذلك أشد ما أخطئوا وجاروا، فهم يقولون: ما كان الدين لينتشر لولا السيف. ولكن ما هو الذي أوجد السيف؟ هو قوة ذلك الدين، وأنه حق، والرأي الجديد أول ما ينشأ يكون في رأس رجل واحد، فالذي يعتقده هو فرد -فرد ضد العالم أجمع- فإذا تناول هذا الفرد سيفا وقام في وجه الدنيا فقلما والله يضيع! وأرى -على العموم- أن الحق ينشر نفسه بأية طريقة حسبما تقتضيه الحال)

و الأمثلة لا تعد و لا تحصى لأن كل فطن عادل يعلم يقينا أن الدين الذي ينتشر بحد السيف سيفقد قوته و سطوته إن أجلا أم عاجلا عندما تغزوه بوادر الضعف و اليوم الدول الإسلامية ليس في موقف القوي الذي يفرض هيمنته على العالم و مع هذا فمازال الإسلام ينتشر بين الناس لماذا؟