موقع السراج
وصايا النبي صلى الله عليه و سلم
النهي عن تتبع عورات المسلمين
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صعد رسول الله صلى الله عليه و سلم المنير فنادى بصوت رفيع فقال: (يا معشر من أسلم بلسانه و لم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين و لا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته و من تتبع الله عورته يفضحه و لو في جوف رحله)
و نظر ابن عمر إلى الكعبة فقال: (ما أعظم حرمتك و المؤمن أعظم حرمة عند الله منك) – حديث حسن - سنن الترمذي 1655- صحيح الجامع 7985 و صحيح سنن أبي داود 4083
أيها المسلم هذا تحذير شديد حذر النبي صلى الله عليه و سلم فيه قوماً بسطوا أيديهم و ألسنتهم بالسوء لإخوانهم المسلمين و بين أنهم ما فعلوا ذلك إلا بسبب سوء طويتهم و اختلال إيمانهم فانحراف الظاهر دليل على اختلال الباطن ثم بين صلى الله عليه و سلم أن عاقبة ذنبهم من جنس عملهم (و لا يظلم ربك أحدا) – سورة الكهف:49
و الوصية تبين مكانة عرض المسلم في دين الله تعالى ووجوب صيانته و ستره و تحذر من الغيبة و سوء مغبتها
ما هي الغيبة؟
الغيبة هي ذكرك أخاك بما يكره في غيبته
فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: أتدرون ما الغيبة؟
قالوا: الله و رسوله اعلم
قال: ذكرك أخاك بما يكره
و عن المطلب بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (الغيبة أن تذكر الرجل بما فيه من خلفه)
الإجماع في تحريمها
الغيبة محرمه بالكتاب و السنة و إجماع الأئمة و الدليل
اولا: قوله تعالى: (لَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) - سورة الحجرات-آية12
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: وقد ورد فيها –أي الغيبة- الزجر الأكيد و لهذا شبهها الله تعالى بأكل اللحم من الإنسان الميت كما قال تعالى: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ" أي كما تكرهون هذا طبعاً فاكرهوا ذلك شرعاً فإن عقوبته أشد من هذا)
و قال رحمه الله: (و الغيبة محرمه بالجماع و لا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته كما في الجرح و التعديل و النصيحة)
و قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير الآية:(و الإجماع على أنها-أي الغيبة- من الكبائر و أنه يجب التوبة منها إلى الله تعالى)
ثانيا: و عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (الربا اثنان و سبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه) – صحيح – رواه الطبراني في (الأوسط)
ثالثا: و عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "حسبك من صفية كذا و كذا فقال: لقد قلت كلمة لو امتزجت بماء البحر لمزجته" – صحيح رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح و انظر سنن أبي داوود
حسبك: يكفيك
صفية: هي أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله تعالى عنها
كذا و كذا: قال بعض الرواة تعني أنها قصيرة
مزجته: خالطته يتغير بها طعمه أو ريحه لشده نتنها وقبحها
رابعا: و عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلاً فقالوا: لا يأكل حتى يُطعَم و لا يرحل حتى يُرحَل له فقال النبي صلى الله عليه و سلم: اغتبتوه فقالوا: يا رسول الله إنما حدثنا بما فيه قال:حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه – حسن رواه الأصبهاني و حسنه الالباني
خامسا: و عن أنس رضي الله تعالى عنه قال قال صلى الله عليه وسلم: لما عُرج بي إلى السماء مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقلت: مَنْ هؤلاء يا جبريل؟! قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم
سادسا: و عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقام رجل فوقع فيه رجل من بعده فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تخلَل
قال: و مم اتخلل؟ ما أكلت لحما
قال: إنك أكلت لحم أخيك – صحيح أخرجه الطبراني في (الكبير)
وقوله صلى الله عليه و سلم: إنك أكلت لحم أخيك - منتزع من قوله تعالى:(أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) – سورة الحجرات أية 12
سابعا: عن أبي بكرة قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يمشي بيني وبين رجل آخر إذ أتى على قبرين فقال: إن صاحبي هذين القبرين يعذبان فأتياني بجريدة
قال أبو بكرة: فاستبقت أنا وصاحبي فأتيته بجريدة فشقها نصفين فوضع في هذا القبر واحدة وفي ذا القبر واحدة قال: (لعله يخفف عنهما ما دامتا رطبتين، إنهما يعذبان بغير كبير الغيبة والبول) - رواه أحمد و غيره
الأسباب الباعثة على الغيبة و علاجها
هناك عدة أسباب تدفع الإنسان إلى الغيبة منها
- الحسد : و هو مرض قلبي تنشأ منه معصية الجوارح فالحاسد عدو لنعمة الله على عباده يتمنى زوالها و العاقل من اقتلع أصله من قلبه فسلم من شره قال ابن تيميه:"ما خلا جسم من حسد فالكريم يخفيه و اللئيم يبديه" و الحسد يدفع صاحبه إلى إطلاق لسانه بالسب ى القدح و الذم و ذكر عيب الآخرين و هضم حقهم و الحط من شأنهم و تهيج عداوة الحاسد إذا سمع الناس يثنون على خصمه فيزاد حقده و يتفاقم حسده و تزداد ضراوة لسانه و قد يؤدي هذا المرض اللعين إلى اقتلاع الإيمان من قلب العبد و العياذ بالله. وعلاجه: الرضا بقسمة الله تعالى فالله قسم بين الناس أخلاقهم كما قسم بينهم أرزاقهم فلا اعتراض على حكمته قال عبد الواحد بن زيد-رحمه الله-: الرضا: باب الله الأعظم و جنة الدنيا ومستراح العابدين وها هو رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه
- تشفي الغيظ : بأن يجري من إنسان من حق آخر سبب يهيج غضبه و الغضب دافع قوي نحو الغيبة للتشفي لذا أوصى الرسول صلى الله عليه و سلم من طلب الوصية قائلاً :"لا تغضب" وقال صلى الله عليه و سلم: " من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من الحور العين ما شاء " – صحيح – سنن أبو داوود
- مجاملة الأصحاب: فمجالسة الأشرار و صحبة الفجار الذين لا تكاد مجالسهم تنفك عن غيبة أو نميمة أو وقيعة و مساعدتهم و ترك الإنكار عليهم من الأسباب الباعثة على الغيبة
و العلاج
أ- ترك مجالستهم حتى يخوضوا في حديث غيره
ب- الإنكار عليهم ورد الغيبة عن المسلم و الدفاع عن عرضه رجاء الثواب فعن أسماء بنت يزيد رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (من ذبَ عن عرض أخيه بالغيبة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار) - صحيح بشواهده أخرجه أحمد و غيره
و في رواية: (من رد عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة) - حسن أخرجه الترمذي و حسنه
و في رواية: (من رد عن عرض أخيه كان له حجابا من النار) - أخرجه الخرائطي من "مكارم الأخلاق" و غيرهو عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (من حمى مؤمنا من منافق (أراه قال): بعث الله ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم و من رمى مسلما بشيء يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال) – صحيح سنن أبي داوود
واعلم أخي المسلم أن المستمع شريك المتكلم لان الرضا بالمعصية معصية و الرضا بالكفر كفر و قال تعالى:( َإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) – سورة الأنعام- آية 68
فحسن الإصغاء للمغتاب أو إظهار الرضا بكلامه معصية قال تعالى: (لاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) - سورة المائدة-آية 2 - و النبي صلى الله عليه و سلم يقول: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يسلمه و لا يحقره بحسب إمريء من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه" فلا يجوز لعبد يؤمن بالله و اليوم الآخر ان يرفع نفسه على حساب إضرر غيره فالخافض الرافع هو الله تعالى بيده القسط يخفض و يرفع و محاولة إظهار النفس امام الغير بانتقاص الآخرين دليل شؤم على فساد الباطن
- اللعب و الهزل: مثل محاولة إظهار خفة الدم و إظهار المرح بمحاكة الأشخاص و التندر بهم و إظهار هفواتهم و تقليدهم كما يحدث في عامة مجالسنا و كما نشاهده و نسمعه في المسلسلات الهابطة و الأفلام الساقطة و غير ذلك مما عم به البلاء
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (ويل للذي يحدث حديثاً فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له) – صحيح أخرجه الترمذي
و عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (إن الرجل ليتكلم الكلمة يضحك بها جلساءه يهوي بها أبعد من الثريا) – حسن أخرجه ابن أبي الدنيا بسند حسن - أن يستشعر من إنسان انه سيقصده و يهينه أو يذمه أو يقبِح حاله عند محتشم أو يشهد عليه بشهادة فيبادره و يطعن فيه ليسقط اثر شهادته أو يبدأ بذكر ما فيه صادقاً ليكذب عليه بعده فيروج كذبه بالصدق الأول
- الغضب لله تعالى: فإنه قد يغضب على منكر قارفه إنسان إذا رآه أو سمعه فيظهر غضبه و يذكر اسمه و كان الواجب أن يظهر غضبه عليه بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و لا يظهره على غيره أو يستر اسمه و لا يذكره بالسوء
قصة
عن عامر بن واثلة: ان رجلاً مر على قوم في حياة الرسول صلى الله عليه و سلم فسلم عليهم فردوا عليه السلام فلما جاوزهم قال رجل منهم: إني لأبغض هذا في الله تعالى
فقال أهل المجلس: لبئس ما قلت والله لننبئنه ثم قالوا: يا فلان لرجل منهم-قم فأدركه واخبره بما قال فأدركه رسولهم فأخبره فأتى الرجل رسول الله صلى الله عليه و سلم و حكى له ما قال و سأله أن يدعوه له فدعاه و سأله فقال: قد قلت ذلك
فقال صلى الله عليه و سلم: لم تبغضه؟
قال: فسأله يا رسول الله هل رآني أخرتها عن وقتها أو أسأت الوضوء لها أو الركوع أو السجود؟
فسأله فقال: لا
فقال: والله ما رأيته يصوم شهراً قط إلا هذا الشهر الذي يصومه البر و الفاجر
قال: فسأله يا رسول الله هل رآني قط أفطرت فيه أو نقصت من حقه شيئاً؟
فسأله عنه فقال: لا
فقال: والله ما رأيته يعطي سائلاً أو مسكيناً قط و لا رأيته ينفق شيئاً من ماله في سبيل الله إلا هذه الزكاة التي يؤديها البر و الفاجر
قال: فسأله يا رسول الله هل رآني نقصت منها أو ماكست فيها طالبها الذي يسألها؟
فسأله فقال: لا
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: قم فلعله خير منك – حسن أخرجه ابن أبي الدنيا بسند حسن
تحريم الغيبة بالقلب
اعلم أن سوء الظن حرام مثل سوء القول فكما يحرم عليك أن تحدث غيرك بلسانك بمساوئ الغير فليس لك أن تحدث نفسك و تسئ الظن بأخيك و لست اعني به إلا عقد القلب و حكمه علي غيره بالسوء فأما الخواطر ا حديث النفس فهو معفو عنه بل الشك أيضا معفو عنه و لكن المنهي أن يظن و الظن عبارة عما تركن إليه النفس و يميل إليه القلب
و سبب تحريمه أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءاً إلا إذا انكشفت لك بعيان لا يقبل التأويل فعند ذلك لا يمكنك إلا أن تعتقد ما علمته و شاهدته و ما لم تشاهده بعينيك و لم تسمعه باذنك ثم وقع في قلبك فإنما الشيطان يلقيه إليك فينبغي أن تكذبه فإنه افسق الفاسقين و قد قال تعالى: " َا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " – سورة الحجرات آية 6
عقاب المغتاب في الآخرة
عن شفي بن ماتع الأصبحي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:
أربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى، يسعون بين الجحيم والحميم بالويل والثبور، يقول أهل النار بعضهم لبعض: ما بال هؤلاء قد آذونا على ما بنا من الأذى؟! فرجل مغلق عليه تابوت من جمر، ورجل يجر أمعاءه، ورجل يسيل قيحاً وصديداً، ورجل يأكل لحمه،
فيقال لصاحب التابوت: ما بال الأبعد قد آذانا على ما فينا من الأذى؟
فيقول: إن الأبعد مات وفي عنقه أموال الناس
ثم يقال للذي يجر أمعاءه: ما بال الأبعد آذانا على ما بنا من الأذى؟
فيقول: إن الأبعد كان لا يبالي أين أصاب البول منه ثم لا يغسله
ما بال الأبعد آذانا على ما بنا من الأذى؟
فيقول: إن الأبعد كان ينظر إلى كل كلمة قبيحة يستلذها كما يستلذ الرفث
ثم يقال للذي يأكل لحمه: ما بال الأبعد يؤذينا على ما فينا من الأذى؟
قال: إن الأبعد كان يأكل لحوم الناس بالغيبة، ويمشي بينهم بالنميمة – (أخرجه ابن أبي الدنيا في "ذم الغيبة" و ذكره الهيثمي في "المجمع")
الأعذار المرخصة في الغيبة
يرخص ذكر مساوئ الغير ان كان الغرض صحيح في الشرع لا يمكن التوصل اليه إلا به فيدفع ذلك إثم الغيبة في ستة أمور وهي
أولاً: التظلم
فإن من ذكر قاضياً بالظلم و الخيانة و أخذ الرشوة كان مغتابا عاصيا إن لم يكن مظلوما أما المظلوم من جهة القاضي فله أن يتظلم إلى السلطان و ينسبه إلى الظلم إذ لا يمكنه استيفاء حقه إلا به
قال صلى الله عليه و سلم: "إن لصاحب الحق مقالاً" (متفق عليه)
و قال أيضا: (ليّ الواجد يحل عقوبته و عرضه) - صحيح رواه أبو داوود و غيره
و معنى الحديث المراد بالواجد الغني القادر على وفاء دينه الذي في ذمته من حقوق الناس وليه هو نقله وتأخيره للوفاء، فهذا الفعل يحل لصاحب الدين الكلام في عرضه والتظلم من فعله
ويحل عقوبته بشكايته عند الوالي الذي يقدر على أخذ الحق منه، ولا يعد ذلك من الغيبة المحرمة
ثانياً: الاستعانة على تغيير المنكر و رد العاصي إلى منهج الإصلاح
فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رجل: يا رسول الله إن لي جارا يؤذيني
فقال: "انطلق فأخرج متاعك إلى الطريق"
فانطلق فأخرج متاعه فاجتمع الناس عليه فقالوا: ما شأنك؟
قال: لي جار يؤذيني فذكرت للنبي صلى الله عليه و سلم فقال: : "انطلق فأخرج متاعك الى الطريق"
فجعلوا يقولون: اللهم العنه اللهم اخزه فبلغه فأتاه فقال: "ارجع إلى منزلك فوالله لا أؤذيك" (حسن أخرجه البخاري في الادب المفرد)
ثالثاً: الاستفتاء
كأن يقول للمفتي ظلمني أبي أو زوجتي فكيف الطريق إلى الخلاص؟ و الأسلم التعرض بأن يقول:ما قولك في رجل ظلمه أبوه؟ و لكن التعيين مباح بهذا القدر لما ثبت عن "هند بنت عتبة" أنها قالت للنبي صلى الله عليه و سلم: إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني أنا وولدي أفآخذ من غير علمه؟
فقال:"خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" (متفق عليه) فذكرت الشح و الظلم لها ولولدها ولم يزجرها النبي صلى الله عليه و سلم إذ كان قصدها الاستفتاء
رابعاً: تحذير المسلم من الشر
فإذا رأيت فقيهاً يتردد إلى مبتدع أو فاسق و خفت أن تتعدى إليه بدعته و فسقه فلك أن تكشف له بدعته و فسقه طالما كان الباعث لك الخوف عليه من سراية البدعة و الفسق لا غيره
خامساً: ان يكون المسلم معروفاً بلقب يعرب عن عيب فيه
مثل الأعرج و الأعمش فلا إثم على من يقول روى أبو الزناد عن الأعرج و سلمان عن الأعمش فقد فعل العلماء ذلك لضرورة التعريف
سادساً: ان يكون مجاهراً بالفسق
كالمخنث و صاحب الماخور و المجاهر بشرب الخمر و كان ممن يتظاهر به بحيث لا يستنكف من أن يذكر له و لا يكره ان يذكر به فإذا ذكرت فيه ما يتظاهر به فلا إثم عليك فعن عائشة رضي الله تعالى عنها: استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال ائذنوا له فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة فلما دخل ألان له الكلام فقلت له يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له في القول فقال أي عائشة إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه (متفق عليه)
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (ما أظن فلانا و فلانا يعرفان من ديننا شيئاً) - أخرجه البخاري
قال الليث: كانا رجلين من المنافقين
وقال عمر رضي الله تعالى عنه: ليس لفاجر حرمه و أراد به المجاهر بفسقه دون المستتر إذا المستتر لابد من مراعاة حرمته
وقال الحسن رحمه الله: ثلاثة لا غيبة لهم: صاحب الهوى و الفاسق المعلن بفسقه و الإمام الجائر
كفارة الغيبة
الواجب على المغتاب أن يندم و يتوب و يتأسف على ما فعله ليخرج به من حق الله سبحانه و تعالى ثم يستحل المغتاب ليحله فيخرج من ظلمته و ينبغي أن يستحله وهو حزين متأسف نادم على فعله
وقال الحسن: يكفيه الاستغفار دون الاستحلال
و قال مجاهد: كفارة أكلك لحم أخيك: أن تثني عليه و تدعو له بخير و سئل عطاء ابن أبي رباح عن التوبة من الغيبة قال: أن تمشي إلى صاحبك فتقول له: كذبت فيما قلت و ظلمتك و أسأت فإن شئت أخذت حقك و إن شئت عفوت وهذا هو الأصح
قلت: والأحوط أن يندم ثم يثني على من أغتابه ثم يستحله ليخرج من مظلمته جمعاً بين الآراء فإن تعذر اللقاء بين الاثنين لبعد المسافة المكانية و شق الوصول إليه أو لسبب موت أصاب المظلوم أو ستؤدي المصارحة إلى ضرر أشد نظراً لسوء خلق المظلوم او ضيق افقه فيكفي المغتاب الندم و التوبة و الثناء على من اغتابه رفعاً للحرج و المشقة تجلب التيسير و الله اعلم فإن انتفت هذه المحاذير فالواجب الاستحلال
لما ورد في الحديث الصحيح:(من كان لأخيه عنده مظلمه في عرض أو مال فليستحللها من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار و لا درهم إنما يؤخذ من حسناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فزيدت على سيئاته)
و الواجب على المظلوم قبول عذر من اغتابه و إقالة عثرته فمن أقال عثره أخيه أقال الله عثرته
فيا عبد الله اتق الله في أعراض المسلمين و احفظ لسانك يستر الله عورتك