موقع السراج
مصعب بن عمير رضي الله عنه
أول سفير في الأسلام
هذا رجل من أصحاب محمد ، ما أجمل أن نبدأ به الحديث
غزة فتيان قريش ، وأوفاهم بهاء ، وجمالا، وشبابا... يصف المؤرخون والرواة شبابه، فيقولون : كان أعطر أهل مكة... ولد في
النعمة ، وغذي بها ، وشب تحت خمائلها.. ولعله لم يكن بين فتيان مكة من ظفر من تدليل ابويه بمثل ما ظفر به ( مصعب بن عمير)...
ذلك الفتي الريان، المدلل المنعم ، حديث حسان مكة ، ولؤلؤة ندواتها ومجالسها، أيمن أن يتحول إلي أسطورة من أساطير الإيمان والفداء
بالله ما أروعه من نبأ ... نبأ ( مصعب بن عمير ) أو ( مصعب الخير) كما كان لقبه بين المسلمين...!!
إنه واحد من أولئك الذين صاغهم الإسلام ورباهم ( محمد ) عليه الصلاة والسلام... ولكن أي واحد كان... ؟ إن قصة
حياته لشرف لبني الإنسان جميعاً
ولقد سمع فيما سمع أن الرسول ومن أمن معه ، يجتمعون بعيداً عن فضول قريش وأذاها..هناك علي الصفا في
دار (الارقم بن ابي الارقم) فلم يطل به التردد ، ولا التلبث والأنتظار ، بل صحب نفسه ذات مساء إلي (دار الأرقم) تسبقه
أشوقة ورؤاه...هناك كان الرسول يلتقي بأصحابه فيتلو عليهم من القرأن ، ويصلي معهم لله العلي الكبير. ولم يكد (مصعب) يأخذ
مكانه ، وتنساب الآيات من قلب الرسول متألقة علي شفتيه ثم أخذة طريقها إلي الأسماع والأفئدة ، حتي كان فؤاد (ابن عمير) في
تلك الامسية هو الفؤاد الموعود...! ولقد كانت الغبطة تخلعه من مكان ، وكأنه من الفرحة الغامرة يطير
ولكن الرسول بسط يمينه المباركة الحانية حتي لا مست الصدر المتوهج ، والفؤاد المتوئب ، فكانت السكينة العميقة عمق
المحيط .. وفي لمح البصر كان الفتي الذي امن وأسلم يبدو ومعه من الحكمة ما يفوق ضعف سنه وعمره، ومعه من التصميم
ما يغير سير الزمان
كانت أم مصعب ( خناس بنت مالك) تتمتع بقوة فذة في شخصيتها ، وكانت تهاب إلي حد الرهبة..ولم يكن (مصعب) حين
أسلم ليحاذر أو يخاف علي ظهر الأرض قوة سوي أمه. فلو أن مكة بكل اصنامها واشرافها وصحرائها ، استحالت هؤلاء
يقارعه ويصارعه، لا ستخف به ( مصعب ) إلي حين..أما خصومة أمه ، فهذا هو الهول الذي لا يطاق..ولقد فكر سريعاً ، وقرر
أن يكتم إسلامه حتي يقضي الله أمراً
وظل يتردد علي دار الأرقم ، ويجلس إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وهو قرير العين بإيمانه، وبتفاديه غضب أمه
التي لا تعلم عن إسلامه خبراً...ولكن مكة ، وفي تلك الأيام بالذات ، لا يخفي فيها سر ، فعيون قريش وأذانها على كل طريق ، ووراء
كل بصمة قدم فوق رمالها الناعمة الاهبة، الواشية
ولقد أبصر به (عثمان بن طلحة) وهو يدخل خفية الي دار الأرقم .. ثم رأه مرة أخرى وهو يصلي كصلاة محمد ، فسابق ريح
الصحراء وزوابعها ، شاخصاً إلي أم مصعب ، حيث القي عليها النبأ الذي طار بصوابها
ووقف ( مصعب ) أمام أمه ، وعشيرته ، واشراف مكة المجتمعين حوله يتلو عليهم في يقين الحق وثباته، القران الذي يغسل به الرسول
قلوبهم، ويملؤها به حكمة وشرفا ، وعدلا وتقى ولكن ، إذا كانت امه تحت ضغط أمومتها ستعفيه من الضرب والأذي ، فإن في مقدرتها أن
تثأر الألهة التي هجرها بأسلوب أخر
وهكذا مضت به إلى ركن قصي من أركان دارها، وحبسته فيه ، وأحكمت عليه إغلاقه، وظل رهين محبسه ذاك، حتي خرج بعض
المؤمنين مهاجرين إلى ارض الحبشة ، فاحتال لنفسه حين سمع النبأ ، وغافل أمه وحراسه، ومضي الي الحبشة مهاجراً أواباً
خرج يوماً على بعض المسلمين وهم جلوس حول رسول الله، فما أن بصروا به حتي حنوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم
وذرفت بعض عيونه دمعاً شجياً..ذلك أنهم رأوه.. يرتدي جلباباً مرقعاً بالياً، وعاودتهم صورته الأولي قبل إسلامه، حين كانت
ثيابه كزهور الحديقة نضرة، وألقا ، وعطراً
وتملي رسول الله مشهدة بنظرات حكيمة ، شاكرة ، محبة ، وتألقت علي شفتيه ابتسامته الجالية ، وقال : (لقد رأيت مصعباً هذا ، وما
بمكة فتى أنعم عند ابويه منه ، لقد ترك ذلك كله حبا لله ورسوله)...!لقد منعته أمه حين يئست من ردته كل ما كانت تفيض عليه
من نعمة .. وأبت أن يأكل طعامها إنسان هجر الألهة وحاقت به لعنتها ، حتي لو يكون هذا الإنسان ابنها
ولقد كان أخر عهدها به حين حاولت حبسه مرة أخرى بعد رجوعه من الحبشة فالى على نفسه لئن هي فعلت ليقتلن كل من تستعين
به على حبسه...وإنها لتعلم صدق عزمه إذا هم وعزم، فودعته باكية ، وودعها باكياً
وكشف لحظة الوداع عن إصرار عجيب علي الكفر من جانب الأم وإصرار أكبر علي الإيمان من جانب الأبن.. فحين قالت
له وهي تخرجه من بيتها: إذهب لشأنك ، لم أعد لك أما .. اقترب منها وقال : يا أمه ، إني لك ناصح ، وعليك شفوق ، فاشهدي
أنه لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله
مصعب الخير..أول سفير في الإسلام
كان في أصحاب الرسول يومئذ من هم أكبر منه سناً وأكثر جاهاً ، وأقرب من الرسول قرابة.. ولكن الرسول اختار مصعب
الخير ، وهو يعلم أنه يكل إليه بأخطر قضايا الساعة، ويلقي بين يديه بمصير الإسلام في المدينة التي ستكون دار الهجرة ، و
منطلق الدعوة والدعاة، والمبشرين والغزاة، بعد حين من الزمان قريب
وحمل مصعب الأمانة مستعيناً بما أنعم الله عليه من عقل راجح وخلق كريم..ولقد غزا أفئدة أهل المدينة بزهدة وترفعه
وإخلاصه ، فدخلوا في دين الله أفواجاً
لقد جاءها يوم بعثه الرسول إليها وليس فيها سوي أثني عشر مسلماً هم الذين بايعوا النبي من قبل بيعة العقبة ، ولكنه لم يكد
يتم بينهم بضعة اشهر حتي استجابوا لله وللرسول
ذات يوم فاجأه و هو يعظ الناس (أسيد بن حضير) سيد بني عبد الأشهل بالمدينة فاجأه شاهراً حربته يتوهج غضباً و حنقاً
على هذا الذي جاء يفتن قومه عن دينهم ويدعوهم لهجر آلهتهم ووجل المسلمون الذين كانوا يجالسون (مصعباً) ولكن (مصعب الخير) ظل
ثابتاً فقال "أسيد" مخاطباً (مصعب) و (أسعد بن زرارة) : ما جاء بكما الي حينا تسفهان ضعفائنا..؟اعتزلانا اذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة
فرد (مصعب الخير) في هدوء : اولا تجلس فتستمع...؟ فان رضيت أمرنا قبلته و ان كرهته كففنا عنك ما تكره
فرد (أسيد) : انصفت والقى حربته الى الأرض و جلس يصغي
و لم يكد (مصعب) يقرأ القرآن و يفسر الدعوة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى هتف (أسيد) : ما أحسن هذا
القول و أصدقه...كيف يصنع من يريد ان يدخل في هذا الدين
قال له (مصعب) : يطهر ثوبه و بدنه ويشهد الا اله الا الله و ان محمداً رسول الله و أسلم (أسيد) و انتشر الخبر و جاء (سعد بن معاذ) فأصغى
لمصعب فاقتنع فأسلم و تلاه (سعد بن عبادة) و تبعهم الكثير من أهل المدينة لقد نجح أول سفراء الرسول صلى الله عليه و سلم نجاحاً منقطع
النظير نجاحاً هو له أهل و به جدير فيكفيه فخراً انه على يديه أسلم (أسيد بن حضير) الذي تنزلت الملائكة لتلاوته القرآن و(سع بن معاذ) الذي
اهتز له عرش الرحمن و ان اسلام الأوس و الخزرج في ميزان حسناته رضي الله عنه
وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة ، كان مسلموا المدينة يرسلون الي مكة للقاء الرسول وفدأ يمثلهم وينوب عنهم..كان عدد
أعضائه سبعين مؤمنا ومؤمنة.. جاؤوا تحت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم إليهم مصعب بن عمير
وتمضي الأيام و الأعوام ويهاجر الرسول صلى الله عليه و سلم وصحبه الى المدينة وتتلمظ قريش بأحقادها وتعد عدة باطلها لتواصل مطاردتها
الظالمة لعباد الله الصالحين وتقوم غزوة بدر فيتلقون فيها درساً يفقدهم بقية صوابهم و يسعون الى الثأر
وتجئ غزوة أحد و يعبئ المسلمون أنفسهم و يقف الرسول صلى الله عليه و سلم وسط صفوفهم يتفرس الوجوه المؤمنة ليختار من
بينها من يحمل الراية .. ويدعو مصعب الخير ، فيتقدم ويحمل اللواء
ونشبت المعركة الرهيبة، ويحتدم القتال ويخالف الرماة أمر الرسول عليه السلام، ويغادرون مواقعهم في أعلي الجبل بعد
أن رأوا المشركين ينسحبون منهزمين ، لكن عملهم هذا ، سرعان ما يحول نصر المسلمين إلي هزيمة.. ويفاجأ المسلمون
بفرسان قريش تغشاهم من أعلى الجبل ، وتعمل فيهم علي حين غرة، السيوف الظامئة المجنونة
وأدرك مصعب بن عمير الخطر الغادر ، فرفع اللواء عالياً، وأطلق تكبيرة كالزئير ، ومضي يصول ويجول ويتواثب
ولندع شاهد عيان يصف لنا مشهد الختام في حياة مصعب العظيم
يقول أبن سعد : أخبرنا إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري ، عن أبيه قال : حمل مصعب بن عمير اللواء يوم
أحد ، فلما جال المسلمون ثبت به مصعب ، فأقبل أبن قميئة وهو فارس ، فضربه علي يده اليمني فقطعها، ومصعب
يقول : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل...وأخذ اللواء بيده اليسري وحنا عليه ، فضرب يده اليسري
فقطعها ، فحنا علي اللواء وضمه بعضديه إلي صدره وهو يقول : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل
ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه واندق الرمح ، ووقع مصعب وسقط اللواء
وقع مصعب ... وسقط اللواء...! وقع حلية الشهادة ، وكوكب الشهداء ... !وقع بعد أن خاض في إستبسال عظيم معركة الفداء
والإيمان..وبعد أنتهاء المعركة المريرة، وجد جثمان الشهيد الرشيد راقداً ، وقد أخفي وجهه في تراب الأرض المضمخ بدمائه الزكية...
لك الله يا مصعب يا من ذكرك عطر للحياة
وجاء الرسول وأصحابه يتفقدون أرض المعركة ويودعون شهداءها...وعند جثمان مصعب ، سالت دموع وفيه غزيرة...
يقول خباب بن الارت : هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سبيل الله ، نبتغي وجه الله ، فوجب أجرنا على
الله .. فمنا من مضى ، ولم يأكل من أجره في دنياه شيئا ـ منهم مصعب بن عمير ـ قُتل يوم أحد .. فلم يوجد له شئ
يكفن فيه إلا نمرة ... فكنا إذا وضعناها علي رأسه تعرت رجلاه و اذا وضعناها على رجليه برزت رأسه
فقال لما رسول الله صلى الله عليه و سلم : اجعلوها مما يلي رأسه واجعلوا على رجليه من نبات الإذخر
وقف الرسول صلى الله عليه و سلم عند مصعب بن عمير وقال وعيناه تلفانه بضيائهما وحنانهما ووفائهما: من المؤمنين رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه
ثم القى في أسى نظرة علي بردته التي كفن فيها وقال : لقد رأيتك بمكة ، وما بها أرق خلة، ولا أحسن لمة منك .. ثم ها انت ذا شعث الرأس في برده
وهتف الرسول عليه السلام وقد وسعت نظراته الحانية أرض المعركة بكل من عليه من رفاق مصعب وقال : إن رسول الله يشهد أنكم
الشهداء عند الله ، يوم القيامة
ثم أقبل على اصحابه الأحياء حوله وقال : أيها الناس زوروهم ، واتوهم وسلموا عليهم ، فوالذي نفسي بيده ، لا يسلم عليهم
مسلم إلى يوم القيامة ، إلا ردوا عليه السلام
السلام عليكم يا مصعب .. السلام عليكم معشر الشهداء...... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فضائله رضي الله عنه
أجابته غاضبة مهتاجة: قسماً بالثواقب، لا ادخل في دينك ، فيزري برأيي ، ويضعف عقلي
وأنئذ ، اختاره الرسول لاعظم مهمة في حينها : أن يكون سفيره إلي المدينة ، يفقه الأنصار الذين أمنوا وبايعوا الرسول عند
العقبة ، ويدخل غيرهم في دين الله ، ويعد المدينة ليوم الهجرة العظيم
روي ان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أتي بطعام وكان صائماً فقال : قُتل مصعب بن عمير وهو خير مني
كُفن في بردة ان غُطي رأسه بدت رجلاه وان غُطي رجلاه بدا رأسه وقتل حمزة وهو خير مني ثم بسط لنا من الدنيا أو قال
أعطينا من الدنيا ما أعطينا وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام