موقع السراج
بنو عامر بن صعصعة
قبيلة بني عامر، وهي قبيلة كبيرة قوية عزيزة، وهي من القبائل القليلة في جزيرة العرب التي لم تعرف في تاريخها سبيًا لنسائها، ولا إتاوة تدفع لغيرها، والمباحثات معها في غاية الحساسية، وقد ذهب إليهم رسول الله ومعه صاحبه الصديق وعرض عليها الإسلام، وحسنه في قلوبهم، استمعوا إليه وأنصتوا، ثم تكلم زعيم من زعمائهم اسمه يخاطب بقية الزعماء، ويخاطب في نفس الوقت رسول الله ، هذا الزعيم هو بيحرة بن فراس
قال: والله لوأني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب
فقال لرسول الله: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟
فقال له رسول الله في هدوء عجيب وفي ثقة متناهية: الأَمْرُ إلى اللَّهِ، يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ
وبالطبع رفض بيحرة وبنو عامر الانضمام لرسول الله وقال في تعجب: أَفَتُهْدِفُ نُحُورَنَا لِلْعَرَبِ دُونَكَ، فَإِذَا أَظْهَرَكَ اللَّهُ كَانَ الأَمْرُ لِغَيْرِنَا؟ لاَ حَاجَةَ لَنَا بِأَمْرِكَ
وعندما عاد القوم الى ديارهم وكان هناك شيخا من شيوخهم قد ادركه السن فلما حدثوه بما كان وضع الشيخ يده على رأسه ثم قال: يا بني عامر هل لها من تلاف؟ (أي هل هناك طريقة لتدارك ما فعلتوه) هل لذناباها من مطلب؟ (وهو مثل عربي يقال فيمن اضاع فرصه ثمينة و اصله من يطلب ذنابي الطير اذا افلت) والذي نفس فلان بيده ما تقولها اسماعيلي قط و انها لحق فاين رأيكم كان عنكم؟ (أي ما ادعى النبوة قط احد من ابناء اسماعيل عليه السلام)
إذن بحيرة يعلم أن هذه الرسالة سيكون لها شأن كبير، ويرى أنه لو كان حاميًا لها مدافعًا عنها فإنه سيأتي وقت سيسيطر فيه على العرب أجمعين، وهذا وإن كان يدل على بعد نظر هذا الرجل إلا أنه يشير بوضوح أيضًا إلى أنه رجل انتهازي نفعي لن يستجيب إلى هذه الدعوة اقتناعًا بقيمتها، ولكن فقط حبًّا في الرئاسة والزعامة والسيطرة، وهذا خطر عظيم
ثم إنه صرح بهذا الأمر علانية ها هو يصرح بوضوح أنه يريد الأمر لنفسه وقبيلته بعد ظهور رسول الله ، لكنه يجعل ذلك بعد موت رسول الله ، وهذا قد يعدُّ في نظر السياسيين من أهل الدنيا نصرًا وتمكينًا، فالرجل سوف يدافع عن رسول الله حتى يظهر رسول الله ، وسيترك له الأمر طيلة حياته، ولكنه يساوم على زعامة الأمر بعد وفاة الرسول ، ولو كان رسول الله يبحث عن التمكين لنفسه لكان هذا عرضًا مغريًا جدًّا، لكن رسول الله كان شديد الحساسية لأولئك الذين يطلبون زعامة أو رئاسة، الولاية تكون لمن يستحقها، لا يوسد الأمر في الإسلام لغير أهله، ولا يمكن قبول إسلام بني عامر نظير أن تكون زعيمة ولو بعد عشرات السنين. لقد كان رسول الله يعطي كل شيء نظير إسلام الناس إلا الرئاسة والزعامة؛ لأن القائد للقوم يسير بهم، ويدبر شئونهم، فإن كان في نفسه هوى سار بهم بهواه، وهكذا يَضِلّ ويُضَلّ؛ لذلك كان رسول الله يعطي المال الكثير للناس حتى يتألف قلوبهم، ولو طلبوا مالاً أكثر أعطاهم وأعطاهم وأعطاهم، لكن لو طلبوا ولاية ما أعطاهم ولو كانوا من أعز أصحابه أو أقرب أقربائه
فقد روى الإمام مسلم عن أبي ذر الغفاري قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ تَسْتَعْمِلْنِي؟ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مِنْكَبِي ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا
وروى البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لاَ تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا