موقع السراج
تراث خالد للعالم
أكثر من أمين
هناك قول مأثور بأن الرجل الأمين هـو أفضل خلق الله . وقد كان محمد أكثر من أمين . ([1]) لقد كان إنسانا بكل ما في الكلمة من معان . وكانت سعادة نفسه ورضاها في التعاطف والتواد والمحبة الإنسانية لقد كان الهدف من بعثته ورسالته وكل الغاية من حياته ومنتهاها هو أن يخدم الإنسان وأن يهذب الإنسان وأن يزكي الإنسان وأن يعلم الإنسان وباختصار أن يجعل من الإنسان إنسانا متمدنا متحضرا
لقد كان مصدر إلهامه الوحيد والقاعدة الهادية الوحيدة له في أفكاره وأقواله وأفعاله هو المصلحة البشرية
([2])
لقد كان محمد غير متباه
وغير متفاخر إلى أبعد الحدود وكان منكرا لذاته إلى أقصى درجة . وما هي الألقاب
التي اتخذها لنفسه ؟ إنهما لقبان فقط : عبد الله ورسوله . عبده أولا ثم رسوله .
رسول نبي مثل كثير من الأنبياء في كل مكان من هذا العالم بعضهم معروف لنا وكثيرا
منهم لا نعرفهم ([3])
وإذا لم يعتقد إنسان ما بأي من هذه الحقائق فإنه لم يعد مسلما . إنها من شروط إيمان جميع المسلمين
يقول أحد الكتاب الغربيين: " إذا نظرنا إلى الظروف المحيطة فـي زمنه والاحترام غير المحدود من أتباعه له ، فإن أكثر الأمور إعجازا في شأن محمد هو أنه لم يدع أبدا القوة أو القدرة على عمل المعجزات "
لقد جرت المعجزات على يديه ولكن ليس لكي ينشر دينه . وكان يعزوها بالكلية إلى الله وطرقه التي هي فوق البحث والتفسير . وكان يقول بصراحة ووضوح إنه بشر مثلهم . ([4]) فلم يكن له كنوز في الأرض ولا في السماء . ولم يزعم أنه يعلم أسرار المستقبل . كل ذلك جرى في زمن كانت تعتبر فيه المعجزات حوادث عادية ، تجري بإرادة أقل القديسين قدرا ، وعندما كان الجو كله مشحونا بالإيمان بالقوة الخارقة الطبيعية سواء في جزيرة العرب أو خارجها
التوجه العلمي تركة محمد
لقد وجه محمد انتباه أتباعه للنظر في الكون وسننه حتى يفهمونها ويقدرون مجد الله حق قدره
يقول القرآن : "وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ([5]) ، مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ " ( الدخان : 38 – 39 )
إن العالم ليس وهما أو خدعة ولا هو مخلوق بلا هدف . إنه خلق بالحق . إن عدد آيات القرآن الداعية إلى تدبر الكون هي عدة أضعاف تلك الآيات المتعلقة بالصلاة والصوم والحج .. إلخ ، مجتمعة وبدأ المسلمون بتأثيرها يلاحظون الكون ملاحظة دقيقة وتولد عن هذا روح الملاحظة والتجربة العلمية التي لم تكن معروفة لقدماء اليونانيين
إن ابن البيطار ([6]) عالم النبات المسلم كتب مؤلفاته في علم النبات بعد أن جمع النباتات من جميع أنحاء العالم وقد وصفه " ماير " ( Mayer ) في كتابه ( Gesch der Botanika )بأنه أحد أبرز علماء الصناعة
وارتحل البيروني ([7]) مدة أربعين سنة لجمع العينات الخاصة بعلم المعادن . وقد رصد علماء الفلك المسلمون بعض المشاهدات الدقيقة على امتداد أكثر من اثنتي عشرة سنة ، بينما كتب أرسطو ([8]) مؤلفاته في علم الطبيعة بدون إجراء تجربة واحدة . وكتب بإهمال في التاريخ الطبيعي مقررا أن للإنسان أسنانا أكثر من الحيوان بدون أن يكلف نفسه عناء التحقق بالتجربة من هذه الحقيقة التي يمكن إثباتها ببساطة شديدة
الغرب مدين للعرب في العلوم
أخبر " جالين " ([9]) أعظم خبير في علم التشريح التقليدي بأن الفك السفلي يتكون من عظمتين . وقد ظل هذا التقرير مقبولا بلا اعتراض لقرون حتى تجشم عبد اللطيف مشقة فحص الهيكل العظمي للإنسان
ويعطي " روبر بريفو " Robert Briffault في كتابه المعروف "صناعة البشرية " The Making of Humanity عدة أمثلة أخرى مشابهة ثم يقرر :(( إن دين علمنا للعرب لا يكمن في الاكتشافات المثيرة أو النظريات الثورية . إن العلم مدين لثقافة العرب ([10]) بشيء أعظم من ذلك بكثير . إنه مدين لها بوجوده " . ويقول نفس المؤلف : " إن قدماء اليونانيين نظموا وصنفوا ورتبوا منهجيا وعمموا ووضعوا النظريات ولكن الأساليب والطرق المتأنية في البحث وتجميع العلم الإيجابي أو الحقيقي وطرق العلم الدقيقة والملاحظة الدقيقة والممتدة والبحث التجريبي ، كلها أمور بعيدة عن المزاج اليوناني ومخالفة له . إن ما نسميه علما نشأ في أوروبا نتيجة لطرق جديدة للبحث ونتيجة لطريقة التجربة والملاحظة والقياس ونتيجة لتطور الرياضيات بشكل لم يكن معروفا لليونانيين ... إن هذه الروح وتلك الطرق أدخلت إلى العالم الأوروبي للمرة الأولى بواسطة العرب ))
شهادة غير المسلمين في محمد ( صلى الله عليه وسلم )
اولا: يقول " إدوارد جيبون " ([11]) وسيمون أوكلي " في كتاب " تاريخ الإمبراطورية العربية الإسلامية " طبعة لندن ( 1870 ) ص 54: ((لا إله إلا الله محمد رسول الله هي عقيدة الإسلام البسيطة والثابتة . إن التصور الفكري للإله ( في الإسلام ) لم ينحدر أبدا إلى وثن مرئي أو منظور . ولم يتجاوز توقير المسلمين للرسول أبدا حد اعتباره بشرا ، وقيدت أفكاره النابضة بالحياة شعور الصحابة بالامتنان والعرفان تجاهه ، داخل حدود العقل والدين))
ثانيا: يقول " ديوان شند شرمة " في كتابه : " أنبياء الشرق " . طبعة كلكتا ( 1935 ) ص122:((لقد كان محمد روح الرأفة والرحمة وكان الذين حوله يلمسون تأثيره ولم يغب عنهم أبدا))
ثالثا: يقول " جون وليام دريبر " الحاصل على دكتوراة في الطب والحقوق في كتابه " تاريخ التطور الفكري الأوروبي " . طبعة لندن ( 1875 ) المجلد الأول ، ص 229 و 230: ((ولد في مكة بجزيرة العرب عام 569 بعد المسيح ، بعد أربع سنوات من موت جوستنيان الأول ، ([12]) الرجل الذي كان له من دون جميع الرجال ، أعظم تأثير على الجنس البشري .. وهو محمد))
رابعا:,يقول ر. ف. س. بودلي في : (الرسول) لندن ( 1946 ) ص 9 :((إنني أشك أن أي إنسان لا يتغير لكي يلائم ويوافق التغيرات الكثيرة جدا في ظروفه الخارجية ، كما لم يتغير محمد))
خامسا:يقول هـ. أ. ر. جب ([13]) في كتاب " المحمدية " ([14]) طبعة لندن ( 1953 ) ص 33 : ((إنه من المسلم به عالميا بصفة عامة أن إصلاحاته ( أي محمد ) رفعت من قدر المرأة ومنزلتها ووضعها الإجتماعي والشرعي)) ([15])
سادسا:ويقول " جون أوستن " في مقال له بعنوان (محمد نبي الله) في مجلة ت. ب. وكاسل الأسبوعية في 12 سبتمبر سنة 1927 بعد المسيح:((لقد أصبح محمد بالفعل في خلال ما يربو قليلا عن العام ما يمكن أن نسميه بالحاكم الروحي والدنيوي للمدينة ، ويده على الرافعة التي كان مقدر لها أن تهز العالم))
(
[1]
)
( الأمين ) : صفة من صفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم اشتهر
بها بين الناس حتى قبل بغثته . فقد عرف بالصادق الأمين . والكلمة التي استخدمها
المؤلف في الأصل الإنجليزي هي " أونست " ( honest )
وهي تعني الأمين وتعني أيضا الصادق والمحترم والفاضل والمستقيم والصريح والمخلص .
وكما هو معروف فإنها جميعها صفات تنطبق على محمد صلى الله عليه وسلم . وقد اخترنا
ترجمتها بلفظ الأمين لأنها الصفة التي اتصف بها وشاركه الأنبياء من قبله في
الاتصاف بها كما جاء في القرآن الكريم عن موسى عليه السلام في قوله تبارك وتعالى :
" يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ
إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ " - القصص : 26 - المترجم
( [2] ) نحن نؤمن بأن القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة القولية والفعلية والتقريرية وحي من عند الله كما قال الله تبارك وتعالى : واصفا عبده ورسوله في كتابه : " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى " ( النجم : 3 – 5 ) . وقال سبحانه وتعالى : " وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ " ( التحريم : 3 ) وهو يدل على أن ثمة وحي آخر غير القرآن الكريم يظهر الله نبيه عليه . وكما قال صلى الله عليه وسلم : " ألا إنني أوتيت القرآن ومثله معه " ( معنى الحديث ) . ( المترجم )
( [3] ) يقول الله تبارك وتعالى : " وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً " ( النساء : 164 ) وقال سبحانه وتعالى : " وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ " ( فاطر : 24 ) ( المترجم )
( [4] ) يقول الله تبارك وتعالى لنبيه في القرآن الكريم : " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ " ( الكهف : 110 ) ( المترجم )
( [5] ) الخلق كله هو من أجل هدف حكيم عادل . ولكن الناس عادة لا يدركون ولا يفهمون ذلك ، لأنهم منغمسون في جهلهم وحماقتهم وأهوائهم ( المؤلف أو المركز العالمي للدعوة الإسلامية في دربان بجمهورية جنوب إفريقية ) - ملحوظة: هذا كلام المؤلف الهندوسي
( [6] ) هو " عبد الله بن أحمد " ( المعروف بابن البيطار ) ( توفى عام 1248 بعد المسيح ) : عالم نبات عربي أشهر مصنفاته : " الأدوية المفردة " " المورد " ( 1990 )
( [7] ) البيروني ( 973 – 1048 بعد المسيح ) : مؤرخ ورياضي وعالم فلكي عربي . قال بأن الأرض تدور حول محورها . " المورد " ( 1990 )
( [8] ) أرسطو ( 384 – 322 قبل ميلاد المسيح ) : فيلسوف يوناني . يعد واحدا من أعظم الفلاسفة في جميع العصور . " المورد " ( 1990 )
( [9] ) جالينوس ( 129 – 199 ؟م ) : طبيب يوناني . يعد أحد أكبر الأطباء في العصور القديمة " المورد " ( 1990م )
( [10] ) ما هو مصدر ثقافة العرب وحضارتهم غير القرآن والإسلام . أنظر كتاب " التراث العربي للحضارة الغربية " تأليف " روم لاندو " وسوف نقوم بترجمته والتعليق عليه بعون الله قريبا إن شاء الله . ( المترجم )
( [11] ) إدوارد جيبون ( 1737 – 1794 بعد المسيح ) . مؤرخ إنجليزي ، يعتبر أعظم المؤرخين الإنجليز في عصره . " المورد " ( 1990 )
( [12] ) جوستنيان أويوستنيانوس الأول ( 483 – 565 بعد المسيح ) : امبراطور بيزنطي ( 527 – 565 بعد المسيح ) جمع الشرائع الرومانية ودونها . " المورد " ( 1990 )
( [13] )) هو " هاملتون الكسندر جب " ( 1895 ) : مستشرق إنجليزي عني بتعريف الغربيين بالتراث الإسلامي . " المورد " ( 1990 )
( [14] ) يقصد الإسلام . ولكن كبر على المشركين ما يدعوهم محمد صلى الله عليه وسلم إليه ، فنسبوا الدعوة والرسالة إليه لكي ينفوا نبوته ورسالته ظلما وعلوا واستكبارا ومكرا ولكن هيهات " وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ " ( التوبة : 32 ) راجع ص 10 – 12 مـن هذا الكتاب ( المترجم )
( [15] )) لقد أعطى الإسلام المرأة الحق في الحياة والحرية وقد كانت توئد من قبل وتُوَرَّث . وأعطاها الحق في أن ترث وتشهد وتبيع وتشتري وتمتلك وسمح لها بالمشاركة في البناء الروحي والفكري والمادي وبجملة الحضارى للأمة . وهي جميعها حقوق ومجالات كانت محرومة منها ومحظورة عليها من قبل أن يقررها الإسلام (المترجم)