موقع السراج
باب التقوى
عن ابي سعيد الخضري رضي الله عنه عن النبي الله صلى الله عليه و سلم قال : ((إن الدنيا حلوة خضرة و ان الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا و اتقوا النساء فان اول فتنة بني اسرائيل كانت في النساء)) - رواه مسلم
معاني الحديث الشريف
ان الدنيا حلوة خضرة: الخضر نوع من البقول ليس من احرارها و جيدها فشبه الدنيا للرغبة فيها و الميل اليها
بالفاكهه الحلوة الخضرة فان الحلو مرغوب فيه من حيث الذوق و الاخضر مرغوب فيه من حيث النظر فاذا اجتمعا
زادت الرغبة و فيه اشارة الي عدم بقائها و هو من التشبيه المطوي فيه الاداة قيل و الفرق بين هذا النوع و
الاستعارة ان هذا لا يتغير حسنه اذا ظهرت الاداة فان قولك : خضرة في الحسن كقولك المال كالخضرة و لا
كذلك الاستعارة فان قولك : رأيت اسدا يرمي ليس كقولك رأيت رجلا كالاسد ذكره العاقولي
معاني الحديث الشريف
و ان الله مستخلفكم فيها: أي جعلكم خلفاء في الدنيا : أي انتم بمنزلة الوكلاء فيها و قيل معناه : جعلكم ممن كان قبلكم فانها لم تصل الى قوم الا بعد الاخرين
فينظر: أي فيعلم علم مشاهدة و عيان
كيف تعملون: من انفاقها في مراضيه فتثابون او في مساخطه فتأثمون فان الجزاء انما يترتب على ما يبدو عالم الشهادة من الاعمال او فينظر ماذا تعملون : أي أتعتبرون بحالهم و تتدبرون في مآلهم
فاتقوا الدنيا: أي اجتنبوا فتنتها و احذروا ان تميلكم محبتها و الاغترار بها عن اوامر الله تعالى و اجتناب مناهيه فيها
و اتقوا النساء: أي اجتنبوا الافتتان بهن : أي ان يمنعكم التمتع بهن لاستيلاء محبتهن عن القيام باداء حقوق و العبودية و التقرب الى مراضي الله تعالى فان بمقدار نحبة السوي و الركون اليه البعد عن المولى و يدخل فيهن كما قال المصنف الزوجات و هن اكثر فتنة لدوام فتنتهن و ابتلاء اكثر الناس بهن
فان اول فتنة بني اسرائيل كانت في النساء: أي بسببهن قال شارح الانوار السنية يحتمل ان يكون اشارة الى قصة هاروت و ماروت لانهما فتنا بسبب امرأة من بني اسرائيل و يحتمل ان يكون اشارة الى قصة بلعام بن باعوراء لانه انما هلك بمطاوعة زوجته
عن ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول : ((اللهم اني اسألك الهدى و التقى و العفاف و الغنى)) - رواه مسلم و الترمذي و ابن ماجه
معاني الحديث الشريف
اللهم: اصله يا الله فحذف حرف النداء و عوض عنه الميم
اني اسألك الهدى: أي الرشاد
و التقى: أي امتثال الاوامر و اجتناب النواهي
و العفاف: أي التنزه عما لا يباح و الكف عنه
و الغنى: أي غنى النفس و الاغتناء عن الناس و عما في ايديهم و المسئول له صلى الله عليه و سلم زيادة ذلك و فيه شرف هذه الخصال و فيه الخضوع و اللجأ للكريم الوهاب في سائر الاحوال
عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قيل يا رسول الله من أكرم الناس؟
قال : اتقاهم
فقالوا: : ليس عن هذا نسألك
قال : فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله
قالوا : ليس عن هذا نسألك
قال : فعن معادن العرب تسألوني ؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا فقهوا - متفق عليه
معاني الحديث الشريف
فقهوا: علموا احكام الشرع
شرح الحديث
قيل يا رسول الله من أكرم الناس؟: قال المصنف في شرح مسلم : اصل الكرم كثرة الخير فلما سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم أي الناس اكرم؟ اخبر باكرم الكرم و اعمه
فقال اتقاهم: لله فان من كان مستقيما كان كثير الخير في الدنيا صاحب الدرجات العليا في الاخرة و قال بعضهم الكريم هو المتقي لله و هو المنقطع عن الاكوان
قالوا : ليس عن هذا: الكرم
نسألك قال : فيوسف: فانه جمع خيري الدارين و شرفهما فانه مع كونه
ابن نبي الله: يعقوب
ابن نبي الله: اسحاق
ابن خليل الله: ابراهيم انضم اليه شرف علم الرؤيا و تمكنه فيه و رياسة الدنيا و ملكها بالسيرة الجميلة و احاطته للرعية عموم نفعه اياهم و شفقته عليهم
قالوا : ليس عن هذا: ايضا
نسألك: ففهم حينئذ ان مرادهم قبائل العرب
قال : فعن معادن العرب تسألوني ؟: قالوا نعم و سكت عن ذلك لدلالة السياق عليه فقال
خيارهم في الجاهلية: ما قبل الاسلام و قد سموا بذلك لكثرة جهالتهم
خيارهم في الاسلام: أي اصحاب المروءات و مكارم الاخلاق في الجاهلية هم اصحابها في الاسلام و هم الخيار
اذا فقهوا: أي صاروا فقهاء عالمين بالاحكام الشرعية و الفقهية. قال القاضي عياض : قد تضمن الحديث في الاجوبة الثلاثة ان الكرم كله و عمومه و خصوصه مجمله و مفصله انما هو بالدين من التقوى و النبوة و الاعتراف بها و الاسلام مع الفقه
عن ابي امامة صدي بنعجلان الباهلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب في حجة الوداع فقال : ((اتقوا الله و صلوا خمسكم و صوموا شهركم و ادوا زكاة اموالكم و اطيعوا أمراءكم تدخلوا جنة ربكم)) - رواه الترمذي
شرح الحديث
عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب في حجة الوداع: سميت بذلك لانه صلى الله عليه و سلم ودع الناس فيها
فقال : اتقوا الله: بدأ به لانه الاساس لتناوله فعل سائر المأمورات و ترك سائر المناهي و عطف عليه ما بعده من عطف الخاص على العام اهتماما به و اعتناء بشأنه و يحتمل ان عطف قوله و اطيعوا
أمراءكم من عطف المغاير من حيث ان اظهر مقاصد التقوى انتظار الامور الاخروية
و صلوا خمسكم: أي الفروض الخمسة
و صوموا شهركم: أي شهر رمضان و أضيف للامة لما يسبغ عليها فيه من الفيوض الالهية من عتق الرقاب و جزيل الثواب و في الحديث: ((رجب شهر الله و شعبان شهري و رمضان شهر الامة))
و ادوا زكاة اموالكم: في الخلافيات و ادوا زكاتكم طيبة بها نفوسكم و حجوا بيت ربكم
و اطيعوا أمراءكم: و في رواية ذا أمركم فيما ليس فيه معصية الله تعالى و في ذلك انتظام الاحوال المتوصل بها الى قوام المعاش و الاستعداد للمعاد
تدخلوا: بالجزم في جواب الامر (جنة ربكم)
عن ابي طريف عدي ابن حاتم الطائي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ((من حلف على يمين ثم رأى اتقى لله منها فليأت التقوى)) - رواه مسلم
شرح الحديث
سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: من حلف على يمين: الحلف هو اليمين و اصلها العقد بالعزم و النية فخالف بين اللفظين و قال : حلف على يمين تأكيدا و قال القرطبي : اليمين المحلوف عليه
ثم رأى اتقى لله منها: أي من يمينه التي التزمها في ترك أمر
فليأت التقوى: و حاصله ان من حلف على ترك فعل شيء او فعله فرأى غيره خيرا من التمادي على اليمين و أتقى لله كأن حلف ان يتركن الصلاة او ليشربن المسكر وجب عليه الحنث و الاتيان
بما هو التقوى من فعل المأمور به و ترك المنهي عنه فان حلف على ترك مندوب او فعل منهي عنه نهى كراهة ندب له الحنث و مثله حديث مسلم ((من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير و ليكفر عن يمينه))