موقع السراج
لوط عليه السلام
قصة لوط عليه السلام كما جاءت في القرآن الكريم
كانت تصرفات قوم لوط تحزن قلبه عليه السلام..كانوا يرتكبون جريمتهم علانية في ناديهم.. وكانوا إذا دخل المدينة غريب أو مسافر أو ضيف لم ينقذه من أيديهم أحد
دعاهم لوط عليه السلام إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي ما ذكر الله عنهم من الفواحش،و لكنهم لم يستجيبوا له ولم يؤمنوا به، حتى ولا رجل واحد منهم، ولم يتركوا ما عنه نهوا، بل استمروا
على حالهم، ولم يرتدعوا عن غيهم وضلالهم، وهمّوا بإخراج رسولهم من بين ظهرانيهم
ولقد جاهدهم لوط عليه السلام جهادا عظيما، وأقام عليهم حجته، ومرت الأيام والشهور والسنوات، وهو ماض في دعوته بغير أن يؤمن له أحد.. لم يؤمن به غير أهل بيته.. حتى أهل بيته لم يؤمنوا به جميعا. كانت زوجته كافرة.
وزاد الأمر بأن قام الكفرة بالاستهزاء برسالة لوط عليه السلام، فكانوا يقولون: (ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فيئس لوط منهم، ودعا الله أن ينصره ويهلك المفسدين
ذهاب الملائكة لقوم لوط
خرج الملائكة من عند إبراهيم عليه السلام قاصدين قرية لوط.. بلغوا أسوار سدوم.. وابنة لوط واقفة تملأ وعاءها من مياه النهر.. رفعت وجهها فشاهدتهم.. فسألها أحد الملائكة: يا جارية.. هل من منزل؟
قالت [وهي تذكر قومها]: مكانكم لا تدخلوا حتى أخبر أبي وآتيكم.. أسرعت نحو أبيها فأخبرته. فهرع لوط عليه السلام يجري نحو الغرباء. فلم يكد يراهم حتى (سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ) سألهم: من أين جاءوا؟ .. وما هي وجهتهم؟.. فصمتوا عن إجابته. وسألوه أن يضيفهم.. استحى منهم وسار أمامهم قليلا ثم توقف والتفت إليهم يقول: لا أعلم على وجه الأرض أخبث من أهل هذا البلد
قال كلمته ليصرفهم عن المبيت في القرية، غير أنهم غضوا النظر عن قوله ولم يعلقوا عليه
وعاد لوط عليه السلام يسير معهم ويلوي عنق الحديث ويقسره قسرا ويمضي به إلى أهل القرية - حدثهم أنهم خبثاء.. أنهم يخزون ضيوفهم.. حدثهم أنهم يفسدون في الأرض. وكان الصراع يجري داخله محاولا التوفيق بين أمرين.. صرف ضيوفه عن المبيت في القرية دون إحراجهم، وبغير إخلال بكرم الضيافة.. عبثا حاول إفهامهم والتلميح لهم أن يستمروا في رحلتهم، دون نزول بهذه القرية
سقط الليل على المدينة.. صحب لوط عليه السلام ضيوفه إلى بيته.. لم يرهم من أهل المدينة أحد.. لم تكد زوجته تشهد الضيوف حتى تسللت خارجة بغير أن تشعره. أسرعت إلى قومها وأخبرتهم الخبر.. وانتشر الخبر مثل النار في الهشيم. وجاء قوم لوط له مسرعين.. تساءل لوط عليه السلام بينه وبين نفسه: من الذي أخبرهم؟.. وقف القوم على باب البيت
خرج إليهم لوط عليه السلام متعلقا بأمل أخير، وبدأ بوعظهم (هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) قال لهم: أمامكم النساء -زوجاتكم- هن أطهر.. فهن يلبين الفطرة السوية.. كما أن الخالق -جلّ في علاه- قد هيّئهن لهذا الأمر
(فَاتَّقُواْ اللّهَ) يلمس نفوسهم من جانب التقوى بعد أن لمسها من جانب الفطرة.. اتقوا الله وتذكروا أن الله يسمع ويرى.. ويغضب ويعاقب وأجدر بالعقلاء اتقاء غضبه
إلا أن كلمات لوط عليه السلام لم تلمس الفطرة المنحرفة المريضة، ولا القلب الجامد الميت، ولا العقل المريض الأحمق.. ظلت الفورة الشاذة على اندفاعها
أحس لوط بضعفه وهو غريب بين القوم.. نازح إليهم من بعيد بغير عشيرة تحميه، ولا أولاد ذكور يدافعون عنه.. دخل لوط غاضبا وأغلق باب بيته.. كان الغرباء الذين استضافهم يجلسون هادئين صامتين.. فدهش لوط من هدوئهم.. وازدادت ضربات القوم على الباب.. وصرخ لوط في لحظة يأس خانق (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) تمنى أن تكون له قوة تصدهم عن ضيفه.. وتمنى لو كان له ركن شديد يحتمي فيه ويأوي إليه.. غاب عن لوط في شدته وكربته أنه يأوي إلى ركن شديد.. ركن الله الذي لا يتخلى عن أنبيائه وأوليائه.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقرأ هذه الآية: "رحمة الله على لوط.. كان يأوي إلى ركن شديد"
هلاك قوم لوط
وقال تعالى في سورة النمل: (وَلُوطاً إِذ قَالَ لِقَومْهِ أَتَأْتُونَ الفْاحِشَةَ وَأَنْتُم تُبْصِرُونَ، أَئِنَّكُم لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهوْةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَل أَنْتُم قَومْ تَجهْلُونَ، فَمَا كَانَ جَوَابَ قَومْهِ إِلاَّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِن قَريْتِكُم إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ، فَأَنجَينْاهُ وَأَهلْهُ إِلاَّ امرْأَتَهُ قَدَّرنْاهَا مِنْ الْغَابِرِينَ، وَأَمطْرنْا عَلَيهْم مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ)
التفتت الملائكة إلى لوط وأصدروا إليه أمرهم أن يصحب أهله أثناء الليل ويخرج.. سيسمعون أصواتا مروعة تزلزل الجبال.. لا يلتفت منهم أحد.. كي لا يصيبه ما يصيب القوم.. أي عذاب هذا؟.. هو عذاب من نوع غريب، يكفي
لوقوعه بالمرء مجرد النظر إليه.. أفهموه أن امرأته كانت من الغابرين.. امرأته كافرة مثلهم فسيصيبها ما أصابهم.
كما قال تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمرْأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبدْينْ مِن عِبَادِنَا صَالِحَينْ فَخَانَتَاهمَا فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلين)
و خانتاهما أي خانتاهما في الدين فلم يتبعاهما فيه وليس المراد أنهما كانتا على فاحشة، حاشا وكلا فإن الله لا يقدر على نبي قط أن تبغي امرأته، كما قال ابن عبَّاس وغيره من أئمة السلف والخلف: ما بغت امرأة نبي قط. ومن قال خلاف هذا فقد أخطأ خطأ كبيراً.
سأل لوط عليه السلام الملائكة: أينزل الله العذاب بهم الآن.. أنبئوه أن موعدهم مع العذاب هو الصبح (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ)
خرج لوط مع بناته ويقال: إن امرأة لوط مكثت مع قومها ويقال: إنها خرجت مع زوجها وبنتيها.. ساروا في الليل وغذوا السير.. واقترب الصبح.. كان لوط قد ابتعد مع أهله.. ثم جاء أمر الله تعالى..
قال العلماء: اقتلع جبريل، عليه السلام، بطرف جناحه مدنهم السبع من قرارها البعيد.. رفعها جميعا إلى عنان السماء حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباح كلابهم، قلب المدن السبع وهوى بها في الأرض..أثناء السقوط كانت السماء تمطرهم بحجارة من الجحيم.. حجارة صلبة قوية يتبع بعضها بعضا، ومعلمة بأسمائهم، ومقدرة عليهم.. استمر الجحيم يمطرهم.. وانتهى قوم لوط تماما.. لم يعد هناك أحد.. نكست المدن على رؤوسها،
وغارت في الأرض، حتى انفجر الماء من الأرض.. هلك قوم لوط ومحيت مدنهم. كان لوط يسمع أصوات مروعة.. وكان يحاذر أن يلتفت خلفه.. نظرت زوجته نحو مصدر الصوت فانتهت.. تهرأ جسدها وتفتت مثل عمود ساقط من الملح.
قال العلماء: إن مكان المدن السبع.. بحيرة غريبة.. ماؤها أجاج.. وكثافة الماء أعظم من كثافة مياه البحر الملحة.. وفي هذه البحيرة صخور معدنية ذائبة.. توحي بأن هذه الحجارة التي ضرب بها قوم لوط كانت شهبا مشعلة. يقال إن البحيرة الحالية التي نعرفها باسم "البحر الميت" في فلسطين.. هي مدن قوم لوط السابقة.
أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم في سيدنا لوط عليه السلام
حال قوم لوط عليه السلام
هو لوط بن هاران بن تارح، وهو آزر، كما تقدم، ولوط ابن أخي إبراهيم الخليل، فإبراهيم، وهاران وناحور إخوة
و لوط عليه السلام قد نزح عن محلة عمه الخليل عليهما السلام بأمره له وأذنه، فنزل بمدينة سدوم
كان القوم الذين بعث إليهم لوط عليه السلام يرتكبون عددا كبيرا من الجرائم البشعة. كانوا يقطعون الطريق، ويخونون الرفيق، ويتواصون بالإثم، ولا يتناهون عن منكر، وقد زادوا في سجل جرائمهم جريمة لم يسبقهم بها أحد من العالمين. كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء
وبعث رسله الكرام، وملائكته العظام، فمروا على الخليل إبراهيم، وبشّروه بالغلام العليم، وأخبروه بما جاؤا له من الأمر الجسيم والخطب العميم
( قَالَ فَمَا خَطْبُكُم أَيُّهَا الْمُرسْلُونَ، قَالُوا إِنَّا أُرسْلنْا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ، لِنُرسْلَ عَلَيهْم حِجَارَةً مِنْ طِينٍ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِين)
وقال: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبرْاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مهْلِكُوا أَهلْ هَذِهِ القْريْةِ إِنَّ أَهلهَا كَانُوا ظَالِمِينَ، قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعلْمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّينَّهُ وَأَهلْهُ إِلاَّ امرْأَتَهُ كَانَتْ مِن الْغَابِرِينَ)
وقال الله تعالى: (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوط) وذلك إنه كان يرجو أن يجيبوا أو ينيبوا ويسلموا ويقلعوا ويرجعوا
قال تعالى: (إِنَّ إِبرْاهيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنيبٌ، يَا إِبرْاهِيمُ أَعرْض عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنهمْ آتِيهِم عَذَابٌ غَيرُ مَرْدُود)
(وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي) هي محاولة يائسة لِلَمْس نخوتهم وتقاليدهم. و ينبغي عليهم إكرام الضيف لا فضحه
(أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ) أليس فيكم رجل عاقل؟ إن ما تريدونه -لو تحقق- هو عين الجنون
عندما بلغ الضيق ذروته.. وقال النبي كلمته.. تحرك ضيوفه ونهضوا فجأة.. قالت الملائكة :(يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيكْ)
وذكروا أن جبريل عليه السلام خرج عليهم فضرب وجوههم خفقة بطرف جناحه، فطمست أعينهم، حتى قيل: إنها غارت بالكلية، ولم يبق لها محل ولا عين، ولا أثر، فرجعوا يتحسسون مع الحيطان، ويتوعدون رسول الرحمن، ويقولون: إذا كان الغد كان لنا وله شأن.
قال الله تعالى : (وَلَقَد رَاوَدُوهُ عَن ضَيفْهِ فَطَمَسنْا أَعْينهم فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ، وَلَقَد صَبَّحهمْ بُكرْةً عَذَابٌ مُستْقِرٌّ)
وقوله تعالى: (إِلاَّ امرْأَتَك) على قراءة النصب، يحتمل أن يكون مستثنى من قوله (فَأَسرْ بِأَهلْكَ)، كأنه يقول: إلا امرأتك فلا تَسْرِ بها . ويحتمل أن يكون من قوله: (وَلاَ يَلتْفِتْ مِنْكُم أَحَدٌ إِلاَّ امرْأَتَكَ)، أي: فإنها ستلتفت فيصيبها ما
أصابهم. ويقويّ هذا الاحتمال قراءة الرفع، ولكن الأول أظهر في المعنى والله أعلم.
الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 4694
الراوي: عبدالله بن عباس - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 6589
الراوي: جابر بن عبدالله - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1552