موقع السراج
الرد على معتقد نفى القرآن الكريم كروية الأرض و تأكيده تسطحها؟
أولا: المقدمة
في البداية و كما جاء في كتاب الدكتور مصطفى محمود رحمه الله )حوار مع صديقي الملحد( إذ قال: " لم يتعرض القرآن الكريم لهذه الموضوعات بتفصيل الكتاب العلمي المتخصص، لأنه جاء في المقام الأول كتاب عقيدة و منهج و تشريع ..و لو أنه تعرض لتلك الموضوعات بتفصيل و وضوح لصدم العرب بما لا يفهمونه .. و لهذا لجأ إلى أسلوب الإشارة و التلميح لتفسرها علوم المستقبل و كشوفه بعد ذلك بمئات السنين..و تظهر للناس جيلاً بعد جيل كآيات و معجزات على صدق نزول القرآن من الله الحق قال تعالى: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) - سورة فصلت آية 53
ثانيا: أسباب الإدعاء
و أما الغرض الثاني فهو نابع من نوايا خبيثة بغرض إثارة الشبهات و إتهام الدين بما ليس فيه بغرض إبعاد الناس عنه و تنفيرهم منه و هو ما يطمح اليه الكثيرون في هذا الزمان و لكن و كما قال تعالى: ((يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)) – سورة التوبة آية 32
و من هذه الآيات التي اسيء فهمها
يدعي البعض أن القرآن الكريم نفى كروية الأرض و أكد أنها مسطحة و هو ما ينافي صحيح العلم فكروية الأرض الآن أصبحت من الحقائق المسلم بها و التي لا شك فيها في عصرنا الحديث لما ارتبط بهذه الكروية من ظواهر طبيعية كإختلاف توقيت شروق الشمس بإختلاف المكان و كذلك إختلاف طول النهار و الليل في الأماكن الجغرافية المختلفة...الخ و لسنا هنا بصدد إثبات كروية الأرض فهي أصبحت حقيقة لا مجال لضحدها أما هدفنا هنا هو توضيح رأي القرآن الكريم في قضية كروية الأرض و هل صدق الأدعاء أن القرآن أكد أن الأرض مسطحة أم هو محض إفتراء لا أساس له من الصحة
أسباب إدعاء البعض أن القرآن نفى كروية الأرض و أقر بأنها مسطحة دائما ما يكون لغرض من أثنين الأول نابع من فهم قاصر لبعض الآيات -التي سنتعرض لها بالتفصيل- بسبب الجهل باللغة العربية مصحوبا بعدم الأمانة و الدقة في البحث عن تفسير كبار المفسرين و شرحهم للآيات الكريمة و الأخذ بتفسير المعنى الحرفي للكلمات خارج سياقها دون الأخذ بالشرح الدقيق المفسر للآيات
كما بحث البعض بحث مضني ليجد الشواذ من آراء بعض رجال الدين و الفلاسفة ممن إدعوا أن الأرض مسطحة و تناسوا أو تجاهلوا عمدا أقوال كبار رجال الدين و أصحاب المذاهب الفقهية المعروفة و المعتد بها عند المسلمين و التي أقرت بكروية الأرض و سيأتي الرد على ذلك اللبس المتعمد لاحقا
ثالثا: الرد على الإدعاء
و الآن لنرد على هذه الإدعاءات علينا أولا أن نفسر الآيات السابقة الواحدة تلو الأخرى
- قوله تعالى: ((وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)) – سورة الغاشية آية 20
و في موقع الخليج - كروية الأرض في القرآن الكريم – للأستاذ الدكتور حميد مجول النعيمي
إن التقيد بمضمون الفعل المبنى للمجهول ((سُطِحَتْ)) وفاعله الله سبحانه مجرداً من قوله تعالى ((ينظرون إلى)) يبعد المفسرين عن التفقه بالكلمة واستخلاص مدلولها الصحيح تماماً
تعليق السراج:
<< يقول تعالى في سورة الغاشية: ((أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ)) – سورة الغاشية من الآية 17 الى 21 فالنظر الذي يقصده الكاتب هو المذكور في بداية الآيات المذكورة و هذا الفعل ((يَنظُرُونَ)) يعود على كل الآيات من الآية 17 و حتى الآية 20 >>(نظره ونظر إليه: أبصره وتأمله بعينه) و (نظر في الأمر أي تدبر وفكر فيه ويقدره ويقيسه) في المنجد، و (نظر إلى) مسألة ممكنة في (خلق الإبل) و(رفع السماء) و(نصب الجبال)، أي أن استنادنا إلى هذه (النظرة) في تفسير رؤية الأرض بالمسطحة لهو صحيح تماماً، لأن مدى رؤية العين محدود جداً، مقارنة بسعة سطح الأرض، أي أن تقوس الأرض لا يظهر للرائي على الإطلاق بالعين المجردة وفي هذه حكمة لله سبحانه بإخفاء (كروية الأرض) لتعذر إدراكها بالعين، وذكر التسطيح لسهولة تمييزه بها، حتى استطاع الإنسان التحليق عالياً في الفضاء ورأى بأم عينه كروية الأرض.
و في تفسير بن كثير لهذه الآية الكريمة يقول: ((وإلى الأرض كيف سطحت)) أي كيف بسطت ومدت ومهدت، فنبه البدوي على الاستدلال بما يشاهده من بعيره الذي هو راكب عليه، والسماء التي فوق رأسه، والجبل الذي تجاهه، والأرض التي تحته، على قدرة خالق ذلك وصانعه، وأنه الرب العظيم الخالق المالك المتصرف، وأنه الإله الذي لا يستحق العبادة سواه)
- قوله تعالى: ((وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)) – سورة ق آية 7
و كذلك قوله تعالى: ((وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ)) – سورة الحجر آية 19
و قوله تعالى: (( وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) – سورة الرعد آية 3
و هذه الآيات الكريمات إستخدمت نفس الفعل ((مَدَّ)) و في شرح إستخدام القرآن الكريم لهذا الفعل قال الإمام الشيخ الشعراوي:
(المد معناه البسط .. ومعنى ذلك أن الأرض مبسوطة .. ولو فهمنا الآية على هذا المعنى لإتّهمنا كل من تحدّث عن كروية الأرض بالكفر خصوصا أننا الآن بواسطة سفن الفضاء والأقمار الصناعية قد استطعنا أن نرى الأرض على هيئة كرة تدور حول نفسها .. نقول إن كل من فهم الآية الكريمة: (( وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا)) بمعنى أن الأرض مبسوطة لم يفهم الحقيقة القرآنية التي ذكرتها هذه الآية الكريمة .. ولكن المعنى يجمع الإعجاز اللغوي والإعجاز العلمي معا ويعطي الحقيقة الظاهرة للعين والحقيقة العلمية المختفية عن العقول في وقت نزول القرآن .عندما قال الحق سبحانه وتعالى : ((وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا)) أي بسطناها .. أقال أي أرض ؟ لا.. لم يحدد أرضا بعينها .. بل قال الأرض على إطلاقها .. ومعنى ذلك أنك إذا وصلت إلى أي مكان يسمى أرضا تراها أمامك ممدودة أي منبسطة .. فإذا كنت في القطب الجنوبي أو في القطب الشمالي .. أو في أمريكا أو أوروبا أو في افريقيا أو آسيا .. أو في أي بقعة من الأرض .. فإنك ترها أمامك منبسطة .. ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا إذا كانت الأرض كروية .. فلو كانت الأرض مربعة أو مثلثة أو مسدسة أو على أي شكل هندسي آخر .. فإنك تصل فيها إلى حافة .. لا ترى أمامك الأرض منبسطة .. ولكنك ترى حافة الأرض ثم الفضاء .. ولكن الشكل الهندسي الوحيد الذي يمكن أن تكون فيه الأرض ممدودة في كل بقعة تصل إليها هي أن تكون الأرض كروية .. حتى إذا بدأت من أي نقطة محددة على سطح الكرة الأرضية ثم ظللت تسير حتى عدت إلى نقطة البداية .. فإنك طوال مشوارك حول الأرض ستراها أمامك دائما منبسطة .. وما دام الأمر كذلك فإنك لا تسير في أي بقعة على الأرض إلا وأنت تراها أمامك منبسطة
وهكذا كانت الآية الكريمة: ((وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا)) لقد فهمها بعض الناس على أن الأرض مبسوطة دليل على كروية الأرض .. وهذا هو الإعجاز في القرآن الكريم .. يأتي باللفظ الواحد ليناسب ظاهر الأشياء ويدل على حقيقتها الكونية . ولذلك فإن الذين أساءوا فهم هذه الآية الكريمة وأخذوها على أن معناها أن الأرض منبسطة .. قالوا هناك تصادم بين الدين والعلم .. والذين فهموا معنى الآية الكريمة فهما صحيحا قالوا إن القرآن الكريم هو أول كتاب في العالم ذكر أن الأرض كروية وكانت هذه الحقيقة وحدها كافية بأن يؤمنوا .. ولكنهم لا يؤمنون)
- قوله تعالى: ((وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا)) – سورة النازعات آية 30
ففي تفسير قوله : ((دحاها)) فقال ابن كثير : تفسيره ما بعده – أي التفسير في الآيات التالية -حيث يقول تعالى: ((أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها)) وهذا قول ابن جرير عن ابن عباس والعرب تقول : دحا الشيء إذا بسطه.و قال أبو حيان: ((دحاها)) بسطها ومهدها للسكنى والاستقرار عليها ، ثم فسر ذلك التمهيد بما لا بد منه من إخراج الماء والمرعى ، وإرسائها بالجبال
وذكر صاحبا تفسير الجلالين رحمهما الله:(دحاها) أي بسطها ومهدها لتكون صالحة للحياة و دحاها مخرجا (منها ماءها ومرعاها) بتفجير عيونها و (مرعاها) ماترعاه النعم من الشجر والعشب ومايأكله الناس من الأقوات والثمار وإطلاق المرعي عليه استعارة. وبتأمل أقوال المفسرين نجدها متفقة في مجموعها : بأن ((دحاها)) مهدها وسهل الحياة عليها ، وذكر لوازم التمكين من الحياة عليها من إخراج الماء ، والمرعى ، ووضع الجبال ، وهو المتفق مع نصوص القرآن في قوله : ((ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا )) – سورة النبأ آية 6
وقوله : ((هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه)) – سورة الملك آية 15 وكل ذلك من باب واحد ، وهو تمهيدها والتمكين للعيش عليها ، وليس له علاقة بشكل الأرض سواء من التكوير والاستدارة أو حتى التسطيح - • و قوله تعالى: ((وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا)) – سورة نوح آية 19
قال ابن كثير :" أَيْ بَسَطَهَا وَمَهَّدَهَا وَقَرَّرَهَا وَثَبَّتَهَا بِالْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ"
و في تفسير الطبري قال: "يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح لقومه ، مذكرهم نعم ربه : ((والله جعل لكم الأرض بساطا)) أي تستقرون عليها وتمتهدونها وقوله: (لتسلكوا منها سبلا فجاجا) يقول : لتسلكوا منها طرقا صعابا متفرقة; والفجاج : جمع فج ، وهو الطريق .إذن المقصود أن بسط الأرض و تمهيدها للبشر من نعم الله تعالى و المراد بالبسط هنا لا يعني أن الأرض مسطحة و إنما تفسيرها أنها مهيأة للانتفاع بها ولا منافاة بين القول بكرويتها والقول بانبساطها ، فهي في حقيقتها وجملتها العظيمة الكبيرة الهائلة : كروية ، وهي في عين الناظر مسطحة مستوية كما يظهر لكل الخلق و هذا التسطيح غرضه جعلها مهيأة لمنفعة البشر
وقال العلامة السعدي: مدت الأرض مدا واسعا وسهلت غاية التسهيل ليستقر العباد على ظهرها ويتمكنوا من حرثها وغراسها والبنيان فيها وسلوك طرقها .
كما قال الشيخ في تفسير سورة الغاشية : ((واعلم أن تسطيحها لا ينافي أنها كرة مستديرة قد أحاطت الأفلاك فيها من جميع جوانبها كما دل على ذلك النقل و العقل والحس والمشاهدة كما هو مذكور معروف عند كثير من الناس خصوصا في هذه الأزمنة التي وقف فيها الناس على أكثر أرجائها بما أعطاهم الله من الأسباب المقربة للبعيد ، فإن التسطيح إنما ينافي كروية الجسم الصغير جدا الذي لو سطح لم يبق له استدارة تذكر ، أما جسم الأرض الذي هو كبير جدا وواسع فيكون كرويا مسطحا ولا يتنافى الأمران كما يعرف ذلك أرباب الخبرة )) - و قوله تعالى: ((وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ)) – سورة الذاريات آية 48
يقول الشيخ الشعراوي في تغسيره للآية الكريمة ((وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ)): أي هيأناها على وضع يُريح سكانها كما نُهيء للطفل فراشه، فلا يكون فيه ما يقلقه.
((فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ)) من كلمة المهد، وهو الفراش المريح، وحتى فراش الطفل دائماً ما ننظفه ونغيره من حين لآخر، فكذلك الأرض من صفتها التغيُّر وعدم الثبات
و في تفسير القرطبي: ((وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا)) أي بسطناها كالفراش على وجه الماء ومددناها ((فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ)) أي فنعم الماهدون نحن لهم. والمعنى في الجمع التعظيم؛ مهدت الفراش مهدا بسطته ووطأته، وتمهيد الأمور تسويتها وإصلاحها
و في تفسير الطبري: وَقَوْله : ((وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا)) يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَالْأَرْضَ جَعَلْنَاهَا فِرَاشًا لِلْخَلْقِ ((فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ)) أي فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ لَهُمْ نَحْنُ
و في تفسير ابن كثير يقول: ((وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا)) أي جعلناها فراشاً للمخلوقات ((فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ)) أي وجعلناها مهداً لأهلها
و من هنا يتضح أن المقصود من الآية الكريمة هي جعل الأرض ممهدة صالحة لحياة المخلوقات كما نهيء لطفل فراشه ليريح مخلوقات الله تعالى على الأرض و لا يعني من قريب أو بعيد أن الأرض مسطحة...هكذا أجمع علماء التفسير فمن أين أتى البعض بتفسير أن الآيات تعني أن الأرض مسطحة؟؟
و الخلاصة
قوله تعالى: ((ألم نجعل الأرض مهادا)) و قوله تعالى: ((وإلى الأرض كيف سطحت)) و ما شابههما من الآيات الكريمة لا ينافي ذلك كونها كروية فهذه الآيات الكريمة تقدم وصف لا لشكل الأرض و إنما لنعمة الله تعالى في إعدادها للقيام بوظيفتها المطلوبة بتمهيدها و تهيأتها لمخلوقاته لتكون صالحة لمعيشتهم عليها
فمنها أنه جعلها فراشا لتكون مقر الحيوان ومساكنه وجعلها قرارا وجعلها مهادا ذلولا توطأ بالأقدام وتضرب بالمعاول والفئوس وتحمل على ظهرها الأبنية الثقال فهي ذلول مسخرة لما يريد العبد منها وجعلها بساطاً وجعلها كفاتاً للأحياء تضمهم على ظهرها وللأموات تضمهم في بطنها وطحاها فمدها وبسطها ووسعها ودحاها فهيأها لما يراد منها بأن أخرج منها ماءها ومرعاها وشق فيها الأنهار وجعل فيها السهل والفجاج
فالآيات الكريمة السابقة إنما تدل على تذليل الله تعالى للأرض و تمهيدها لتكون حياة مخلوقاته عليها ميسرة فيستطيعون الحياة عليها و إعمارها بيسر و هذه من نعم الله على خلقه و لا تعني الآيات السابقة بإجماع كبار أهل التفسير أن الأرض شكلها مسطح و لا أعلم من أين جاء أصحاب هذا الإدعاء بإدعائهم و على أي دليل إستندوا في هذا الإدعاء الباطل السخيف...و لكن الكراهية و الكذب و التدليس هم أساس هذه الإدعاءات المغرضة و لكنني أعيب على من يصدق مثل هذه الأباطيل دون سند أو دليل و دون محاولة حقيقية للبحث البسيط الأمين لفهم الحقيقة
رابعا: أدلة كروية الأرض في القرآن الكريم
القرآن الكريم أشار لكروية الأرض بعدة طرق منها
- يقول الشيخ الشعراوي رضي الله تعالى عنه:
"إذن مادامت الارض مسطحه فلا بد ان يكون لها حيز فاذا جئت في اخر السطح لابد ان تصل الي حافه و لكن الله سبحانه و تعالي يقول : ((و الارض مددناها)) و معني مددناها : انك اينما ذهبت فوق سطح الكره الارضيه تراها ممدوده امامك – اي منبسطه امامك – فاذا ذهبت الي القطب الشمالي رأيت الارض منبسطه – و اذا ذهبت الي القطب الجنوبي رأيت الارض منبسطه – و اذا ذهبت الي خط الاستواء رأيت الارض منبسطه – و هذا لا يمكن ان يحدث الا اذا كانت الارض كرويه – اذن فقول الله : سبحانه و تعالي : ((و الارض مددناها)) دليل علي كرويه الارض و لكن انسانا اخطأ و فسر اللفظ علي انه دليل ان الارض مبسوطه و خرج من ذلك بأن هذه حقيقه قرآنيه و هي ليست حقيقه قرآنيه فاذا ثبت ان الأرض كرويه بدا تعارض وهمي بين حقيقه كونيه و حقيقه قرانية و هنا يبرز دور الجهل في محاوله النيل من كتاب الله و لو تعمق بعض الناس قليلا لعرفوا أن كرويه الأرض و دوران الأرض موجودان في القرآن "
- يقول الشيخ الشعراوي رضي الله تعالى عنه:
"ثم نتأمل قول الله تعالى في سورة الزمر: ((خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي ِلأَجَلٍ مُسَمًّى أَلاَ هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ)) - الزمر: 5
لماذا استخدم الله سبحانه و تعالى كلمة ((يكور)) ؟ و كلام القرآن الصادر عن الله دقيق فى تعبيره دقة متناهية .. لماذا استخدم الله لفظ يكور .. و لم يقل يبسط الليل و النهار ما دامت الأرض منبسطة .. أو يغير الليل و النهار .. أو أى لفظ آخر ؟ إنك لو جئت بشئ و لففته حول كرة .. فتقول إنك كورت هذا القماش مثلاً .. أى جعلته يأخذ شكل الكرة الملفوف حولها .. و إذا أردت من إنسان أن يصنع لك شيئاً على شكل كرة .. فتقول له خذ هذا و كوره .. أى إصنعه على شكل كرة .. و معنى قول الله تعالى يكور الليل على النهار .. أى يجعلهما يحيطان بالكرة الأرضية .. و من إعجاز القرآن إن الليل و النهار مكوران حول الكرة الأرضية فى كل وقت .. أى أن الله لم يقل يكور الليل ثم يكور النهار .. و لكنه قال يكور الليل على النهار و استخدام كلمة ((على)) هنا تستحق وقفة .. لتتصور مدى انطباقها على كروية الأرض .. ((يكور الليل على النهار)) و معناه إنهما موجودان فى نفس الوقت حول الكرة الأرضية و هذا ما نبأ به القرآن منذ أربعة عشر قرناً و لم يصل إلى علم البشر إلا فى الفترة الأخيرة .
- يقول تعالى في سورة يس: ((لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )) – سورة يس: 40
العرب كانوا يقولون ان الليل يسبق النهار .. واليوم عند العرب يبدأ بغروب الشمس في ذلك الوقت بمعنى ان رمضان يثبت بعد غروب الشمس بمعنى ان رمضان يثبت بعد غروب شمس اخر يوم من شعبان والعيد يثبت بعد غروب شمس اخر يوم من رمضان اذا كان العرب يقولون ان الليل يسبق النهار فمعنى ذلك ان النهار لا يسبق الليلإذن وجدت حقيقتان الليل يسبق النهار والنهار لا يسبق الليل .. النهار لا يسبق الليل .. تركها الله عز وجل .. ولم يتعرض لها .. لأنها حقيقه.. ولكنه جاء الى كلمة ان الليل يسبق النهار .ورد عليها بقوله تعالى : ((ولا الليل سابق النهار))
إذن وجدت عندك حقيقتان .. لا النهار يسبق الليل و لا الليل يسبق النهار.. لا النهار يسبق الليل حقيقه كانت موجوده .. ولم يتعرض لها القرآن لأنها حقيقه .. ولا لليل سابق النهار..خطأ كان موجودا فصححه الله وتعالى بقوله: ((ولا الليل سابق النهار))
إذن لا النهار يسبق الليل .. ولا الليل يسبق النهار .. معنى ذلك ان الليل والنهار يوجدان معا في وقت واحد على الارض..لأن النهار لا يسبق الليل .. والليل لا يسبق النهار .. وهذا لا يتأتى الا اذا كانت الارض كرويه..
ولكن ليس هذا هو القصد النهائي من الآيه..الله سبحانه وتعالى اراد ان يصحح هذه الحقيقه .. ويقرر ان الليل والنهار موجودان معا على الارض ليبلغنا عن حقيقة خلق الأرض..لو ان الله سبحانه وتعالى قد خلق الارض مسطحه..فإما ان تكون الشمس ساعة الخلق في مواجهة السطح .. وحينئذ يكون النهار قد وجد اولا..ثم يأتي بعد ذلك الليل..واما ان تكون الشمس غير مواجهة للسطح ساعة الخلق.. ومن هنا يكون الليل قد اتى اولا...ثم بعد ذلك يأتي النهار.. ولكن كون الله سبحانه وتعالى يقول ان النهار والليل خلقا معا..لم يسبق احدهما الآخر دليل على ان الله سبحانه وتعالى قد خلق الارض كرويه .. لأنه حدد الشكل الوحيد الذي يوجد فيه الليل والنهار على سطح الارض معا ساعة الخلق..وهكذا نرى القرآن قد مس حقيقة هامة في ايه او جزء من الآيه يريد الله ان يخبرنا فيه بأنه خلق الارض على هيئة كره..وانه اوجد الليل والنهار معا ..فيقول سبحانه وتعالى: ((ولا الليل سابق النهار))
وعندما يتقدم الذهن البشري ويبحث..ويعرف معنى الآيه نجد ان الله سبحانه وتعالى اخبرنا بكل هذه الحقائق عن خلق الأرض على هيئة كره ..وخلق الليل والنهار معا .. في بضع كلمات - يقول تعالى في سورة النمل: ((وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)) – سورة النمل: 88
((تَحْسَبُهَا)) معناه كأن ذلك حسبان و ليس حقيقة لأن هذه الجبال التى تراها أمامك جامدة ثابتة لا تتحرك هى ليست كذلك .. فإن الله يريد أن يقول لنا إن هذه الجبال الراسخة أوتاد الأرض التى تبدو أمامك جامدة ثابتة صلبة لا تستطيع أن تفتتها أنت و لا تزيلها .. هذه الجبال الرهيبة تمر أمامك مر السحاب و أنت لا تدرى .. ثم عندما تتعجب و تقول و أنت تسمع هذه الآية كيف تمر الجبال مر السحاب .. و هى ثابتة أمامى هكذا لا تتحرك من مكانها ؟ يقول لك الله سبحانه و تعالى .. لا تتعجب ((صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ))
ثم يأتى بعد ذلك استخدام الله سبحانه و تعالى كلمة ((مر السحاب)) .. و كما قلنا إن اختيار الألفاظ فى القرآن دقيق جداً .
((مَرَّ السَّحَابِ)) لماذا لم يقل الله سبحانه و تعالى مثلاً مر الرياح .. أو مر العواصف .. أو مر الأمواج .. أو أى لفظ آخر ؟ لأن السحاب لا يتحرك بنفسه بل تدفعه قوة أخرى هى قوة الريح فحين يتحرك السحاب من مكان إلى مكان آخر لا ينطلق بذاته و يمضى بل تأتى الرياح و تحمله من المكان الذى هو فيه إلى مكان آخر.
و هكذا .. فكأن الله سبحانه و تعالى يريد أن يقول لنا انتبهوا .. إن حركة الجبال ليست حركة ذاتية كحركة الأرض و ليست حركة ذاتية كحركة الرياح فهى لا تتحرك بذاتها أى لا تنتقل من مكانها على الأرض إلى مكان آخر على سطح الأرض .. لا .. إن مكانها ثابت و لكنها تمر أمامكم مر السحاب أى تتحرك بحركة الأرض تماماً كما تحرك الرياح السحاب و إلا فلماذا لم يقل الله و ترى الجبال تحسبها جامدة و هى تسير أو و هى تجرى أو وهى تتحرك أو و هى تمر من مكان إلى آخر .. أبدا .. استبعد كل الألفاظ التى تعطى الجبال ذاتية الحركة .. أى أن الذى يتحرك ذاتياً هى الأرض و الجبال تتبع هذه الحركة و هى تمر أمامك مر السحاب الذى لا يملك ذاتية الحركة .. أترى دقة التعبير و دقة التصوير لدوران الأرض فى القرآن ؟
نأتي بعد ذلك الى قضية أخرى..وهي دوران الارض..هل يستطيع أحد أن يحكم على مكان هو جالس فيه..والمكان كله يتحرك كما فيه هو..انك لا تستطيع أن تدرك أنه متحرك..لماذا؟..لانك لا تعرف حركة المتحرك الا إذا قسته مع شئ ثابت ولا شئ ثابت لان الارض كلها تدور..والمواقع فوق سطحها ثابتة..لاننا مثلا عندما نجلس في حجرة مغلقة تماما وهي تدور بنا جمعا..وموقعنا عليها ثابت لا يتغير..لا نحس بدوران هذه الحجرة الا إذا فتحنا نافذة مثلا..ونقيس حركة الحجرة على شئ ثابت كعمود مثلا أو شجرة..ومن هنا لا نستطيع أن نعرف حركة المتحرك إلا إذا قسناه الى شئ ثابت..ومن يستطيع أن يقيس الارض كما الى شئ ثابت ليعرف حركتها..لا أحد يستطيع..ما دمت أنا لا أدرك الحركة..يأتي الله سبحانه وتعالى ليقول : ((وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ))
خامسا: آراء علماء المسلمين في قضية كروية الأرض
- قال ابن حزم في كتابه (الفصل في الملل والأهواء والنحل: (78-2)
( إن أحداً من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم رضي الله عنهم لم ينكروا تكوير الأرض ولا يحفظ لأحد منهم في دفعه كلمة بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها قال الله عز وجل: ((يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل)) وهذا أوضح بيان في تكوير بعضها على بعض مأخوذ من كور العمامة وهو إدارتها وهذا نص على تكوير الأرض ودوران الشمس كذلك وهي التي منها يكون ضوء النهار بإشراقها وظلمة الليل بمغيبها وهي آية النهار بنص القرآن قال تعالى: ((وجعلنا آية النهار مبصرة))
- و قال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله في كتابه (مفاتيح الغيب ج19 ص1)
في تفسير قوله تعالى: ((وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )) – سورة الرعد: 3قال الرازي: " المد هو البسط إلى ما لا يدرك منتهاه، فقوله: ((وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ)) يشعر بأنه تعالى جعل حجم الأرض حجماً عظيماً لا يقع البصر على منتهاه، لأن الأرض لو كانت أصغر حجما مما هي الآن عليه لما كمل الانتفاع به… والكرة إذا كانت في غاية الكبر، كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح "
وقال كذلك في تفسيره مفاتيح الغيب21/142 قال: "ثبت بالدليل أن الأرض كرة وأن السماء محيطة بها" - قال الشيخ عاصم القريوتي حفظه الله: يثبت الشيخ - يقصد الشيخ ابن باز رحمه الله - ويقرر كروية الأرض، كغيره من علماء الإسلام
- وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية الإجماع على كروية الأرض في عدة كتب منها (العرشية) و (درء تعارض النقل والعقل) (6 / 339) وانظر (رسالة في الهلال) من (مجموع الفتاوى)
(25 / 195)
- و كذلك نقل الإجماع على كروية الأرض ابن كثير في (البداية والنهاية) كما في (آفاق الهداية) (1 / 173)
الإستنتاج النهائي
و مما سبق يمكننا إستنتاج الآتي
- أقر القرآن الكريم بكروية الأرض و الآيات مثل : ((وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا)) و ((وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)) الى آخره من الآيات الكريمات إنما الهدف منها بيان كيف أنعم الله تعالى على مخلوقاته بتهيئة الأرض و بسطها أمامهم ليسهل عليهم الحياة فيها.
- هناك مواضع كثيرة في القرآن الكريم تلمح الى كروية الأرض مثل: ((يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل)) هذا التلميح يظهر بيانه للمدقق و ليس للقاريء السطحي الذي لا يتمعن في معاني القرآن العظيمة و لو أن القرآن الكريم تعرض لتلك الموضوعات بتفصيل و وضوح لصدم العرب بما لا يفهمونه و لهذا لجأ إلى أسلوب الإشارة و التلميح لتفسرها علوم المستقبل.
- أجمع كبار علماء المسلمين على كروية الأرض و لا يجوز –من باب الإنصاف و الحيادية- الإستدلال بآراء البعض الذين شذت آرائهم عن الإجماع العام فيستدل بهذه الآراء –الشاذة عن الإجماع- على رفض علماء المسلمين كروية الأرض.
- لو أننا إفترضنا أن القرآن رفض كروية الأرض لكان معنى ذلك أن القرآن يناقض بعضه و هو ما لم و لن يحدث نهائيا و فكيف تقر بعض الآيات بكروية الأرض و البعض الآخر يرفضها؟ ..الحقيقة أن القرآن كله متسق مع بعضه البعض و لكن فهم البشر هو القاصر فالتفسير الواضح المجمع عليه من كبار علماء المسلمين للآيات يثبت بالدليل القطعي إقرار القرآن الكريم بكروية الأرض.
المصادر
موقع الخليج - كروية الأرض في القرآن الكريم - أ.د. حميد مجول النعيمي
معجزة القرآن: بعض الحقائق العلمية التى مسها القرآن الكريم
موقع إعجاز القرآن و السنة - علماء الإسلام يجمعون على كروية الأرض