موقع السراج
الرد على مزاعم وجود أيات عنف في القرآن الكريم
آيات العنف...المعنى الحقيقيسورة 9 الآية 5
يقول تعالى: (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) – سورة التوبة آية 5
متى نزلت الآية الكريمة ؟
كما قلنا من قبل لفهم آية من آيات القرآن الكريم لابد أن نضعها في سياقها الطبيعي. هذه الآية الكريمة من سورة التوبة و هي السورة رقم 113 في ترتيب نزولها أي السورة قبل الأخيرة في نزولها على النبي صلى الله عليه و سلم وهي سورة مدنية
وهي السورة الوحيدة في القرآن الكريم التي لا تبدأ بالبسملة ( أي قول بسم الله الرحمن الرحيم) و هذا لأنها سورة ذكر فيها الجهاد وقتال الكفار وذُكر فيها وعيد المنافقين وبيان فضائحهم ومخازيهم، و (بسم الله الرحمن الرحيم) يؤتى بها للرحمة وهذا الموطن فيه ذكر الجهاد وذكر صفات المنافقين وهذا ليس من مواطن الرحمة
ما هو سياق الآية الكريمة
فلنبدأ بقراءة سورة التوبة من بدايتها يقول تعالى: (بَرَاءةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ
وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْلَمُونَ
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ
اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ
فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ
أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ
قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) – سورة التوبة من آية 1 الى آية 15
عمن تتحدث الآيات
الآيات السابقة هي من سورة التوبة و هذا الجزء من السورة هو إعلان براءة من اللّه و من رسوله إلى المشركين المعاندين فمن المقصود بالمشركين هل كل المشركين أم فصيل معين من المشركين؟
الآيات السابقة تعلن براءة الله و النبي صلى الله عليه و سلم من المشركين الذين طاردوا النبي و المسلمين في مكة الذين تآمروا على قتل النبي صلى الله عليه و سلم و آذوا المسلمين في مكة حتى هاجروا الى المدينة و استولوا على أموالهم و ممتلكاتهم بلا سبب سوى إسلامهم
عقد النبي صلى الله عليه و سلم معاهدة سلام مع المشركين لكنهم لم يوفوا بالعهد فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم له حلف مع قبيلة خزاعة وكانت هناك قبيلة مضادة لها اسمها قبيلة بكر متحالفة مع قريش ثم أعانت قريش قبيلة بكر على قبيلة خزاعة و من ثم نقدوا عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
و لهذا ففي هذه الآيات يأمر الله سبحانه و تعالى النبي صلى الله عليه و سلم أن يقول لهم أن أمامهم اربعة أشهر لهم فيها حرية الحركة يسيحون في الأرض على اختيارهم آمنين من المؤمنين وبعد الأربعة الأشهر فلا عهد لهم ولا ميثاق.
هل إنهاء معاهدة السلام يشمل كل المشركين أم هناك إستثناءات ؟
إعلان إنهاء معاهدة السلام هو محدد للمشركين الذين تقضوا العهد و إستمروا في التآمر على المسلمين و من ثم هناك مشركين لم يشملهم إعلان إنهاء معاهدة السلام و هم:
- كل من عاهد المسلمين معاهدة سلام و لم يخرق المعاهدة بأي وسيلة و لم يناصر أحدا ضد المسلمين حيث يقول تعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) – سورة التوبة آية 4
- يقول تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْلَمُونَ) – سورة التوبة آية 6
- يقول تعالى: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) – سورة التوبة آية 7
- يقول تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) – سورة التوبة آية 11
إذن لماذا إعلان الحرب ؟ الآية 8 تشرح الأسباب
يقول تعالى: (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) – سورة التوية آية 8
و في الآية 10 يقول تعالى: (لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ) – سورة التوبة آية 10
(يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) بالقدرة والسلطة, لا يرحموكم, و (لاَ يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً) أي: لا ذمة ولا قرابة ولا يخافون اللّه فيكم بل يسومونكم سوء العذاب فهذه حالكم معهم لو ظهروا
و مع هذا و رغم جرائمهم فلو أنهم تابوا فعلى المسلمين الا يقاتلوهم يقول تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) – سورة التوبة آية 11
و لكن إن عادوا للإعتداء فعلى المسلمين قتالهم يقول تعالى: (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ) – سورة التوبة آية 12
و لاحظ قوله تعالى: (فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) لعل قتال الكبار يلقن الصغار درسا و يحذرهم من مواصلة القتال ضد المسلمين فينتهوا فالله تعالى يعطي الكفار الفرصة تلو الأخرى لتعديل المسار و مسالمة المسلمين و لكن إن أصروا على القتال فعلى المسلمين أن يتذكروا جرائم هؤلاء ضدهم و التي كان سببها الوحيد إختيارهم الإسلام دينا لهذا تقول الآية التالية: (أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) – سورة التوبة آية 13
ثم في الآية التالية يشجع الله تعالى المسلمين و يعدهم بالنصرو يحثهم على الثبات و الصبر في قتال من أبوا أن يدعوهم لشأنهم يعيشون في سلام رغم إعطائهم الفرصة تلو الأخرى يقول تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) – سورة التوبة 14
و لاحظ كذلك قوله تعالى (فَقَاتِلُوا) مما يعني قتال بين طرفين في معركة متكافئة و لم يأمر الله تعالى المسلمين بالهجوم الظالم و قتل أناس مسالمين دون تحذير أو إنذار...الكفار كانوا على علم تام بإختياراتهم و أبسطها إحترم العهد مع المسلمين و الا يخونوا و قد تم إعطائهم أربعة أشهر يحيون فيها في سلام و يفكرون بهدوء في خطوتهم التالية فبالله عليك هل تجد في العالم الحديث أمة تعلم عدوها أنها بعد أربعة أشهر ستهاجمه لأنه قد خان العهد بإرادته فكأنها تعطيه الفرصة للإستعداد للحرب أو التفكير الهاديء
و رجاء إقرأ بتأني قوله تعالى: (أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) – سورة التوبة آية 13 لاحظ قوله تعالى: (وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) و الذي يوضح أن المبادر بالإعتداء هم الكفار ثم إستمروا في إعتدائهم و حتى معاهدة السلام لم يحترموها و للتبسيط و الإيجاز فإن المسلمين هنا هم الضحية فبالله عليك ماذا تريد منهم هل على المسلمين تحمل الإعتداء السافر دون رد الى الأبد و الذي كان ثمنه أرواح طاهرة أزهقها الكفار بإعتداءاتهم الجائرة أم على المسلمين الوقوف دفاعا عن أنفسهم و مواجهة العدو بشجاعة و ثبات
هل نسمي هذا إعتداء أم دفاع عن النفس ضد من دأب على الإعتداء و التجني و الإستيلاء على الممتلكات و التآمر لقتل النبي صلى الله عليه و سلم و لم يكتفوا بذلك بل حتى معاهدة السلام لم يراعوها و إستباحوا خيانة العهد دون رادع من أخلاق أو ضمير)