موقع السراج

Alsiraj Banner Image

محمد صلى الله عليه و سلم
رحمة للعالمين
Prophet Mohammed...Mercy for all mankind

المقدمة

في عالم قاس استباح البشر فيه القسوة حتى صارت علامة القوة و السيطرة و قلت الرحمة و كثر العناد و التربص و علا صوت الغضب و الضيق. في هذه الاوقات العصيبة تأتي ذكرى نبي الرحمة لعلها توقظ ضمائر تحتضر فتعيد جريان الدماء في شراينها...حب سيد الخلق لا يكون بالحماس اللفظي و إنما باعتناق مبادئه السمحة في حياتنا و تطبيقها بالصورة التي تسعده و تقر عينه هؤلاء هم أحبابه الذين تحدث عنهم و اشتاق لهم...فلأصحاب القلوب الحية المحبة فقط نسرد مواقف النبي صلى الله عليه و سلم التي تبرز مقدار رحمته و تسامحه

مع المشركين

عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي آية أنزلت من السماء أشد عليك؟
فقال : كنت بمنى أيام موسم، واجتمع مشركو العرب وأفناء الناس في الموسم
فأنزل علي جبريل فقال: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) – سورة المائدة آية 67
قال : فقمت عند العقبة فناديت : يا أيها الناس، من ينصرني على أن أبلغ رسالات ربي، ولكم الجنة؟ أيها الناس، قولوا : لا إله إلا الله وأنا رسول الله إليكم تفلحوا، وتنجحوا ولكم الجنة
قال : فما بقي رجل ولا امرأة، ولا صبي إلا يرمون علي بالتراب والحجارة، ويبزقون في وجهي ويقولون : كذاب صابئ، فعرض علي عارض
فقال : يا محمد، إن كنت رسول الله فقد آن لك أن تدعو عليهم كما دعا نوح على قومه بالهلاك
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم اهد قومي، فإنهم لا يعلمون، وانصرني عليهم أن يجيبوني إلى طاعتك
فجاء العباس عمه فأنقذه منهم، وطردهم عنه، قال الأعمش : فبذلك تفتخر بنو العباس ويقولون : فيهم نزلت(إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) – سورة القصص آية 56، هوى النبي صلى الله عليه وسلم أبا طالب، وشاء الله تعالى عباس بن عبد المطلب

وعن أبي هريرة ، قال : قيل يا رسول الله ادع على المشركين قال : إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة .(صحيح مسلم - كتاب البر والصلة والآداب - باب النهي عن لعن الدواب وغيرها)

مع دوس

حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن ابن ذكوان عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء الطفيل بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن دوسا قد هلكت عصت وأبت فادع الله عليهم
فقال: "اللهم اهد دوسا وأت بهم" (صحيح البخاري – باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم و صحيح مسلم باب من فضائل غفار و أسلم و جهينة و أشجع و مزينة و تميم و دوس و طيء)
فجاءت قبيلة دوس و قد شرح الله تعالى صدرهم للإسلام

مع الطائف

و عندما ذهب صلى الله عليه و سلم ليدعو قبيلة ثقيف - أهل الطائف- انكروه و استهزاءوا به ورموه بالحجارة حتى تخضب نعله صلى الله عليه و سلم بالدماء، وكان مولاه زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه يدفع عنه أذاهم حتى شج رأسه. في هذه اللحظة عندما اشتدّ أذى أهل الطائف على رسول الله صلى الله عليهم وسلم رفع يديه ودعا بالدعاء الشهير: (اللهمَّ إليك أشكو ضَعْفَ قوَّتي، وقلةَ حيلتي، وهواني على الناسِ، يا أرحَمَ الراحمِينَ، أنت رَبُّ المستضعَفِينَ، وأنت ربِّي، إلى مَن تَكِلُني؟ إلى بعيدٍ يَتجهَّمُني، أو إلى عدوٍّ ملَّكْتَهُ أمري إن لم يكُنْ بك غضَبٌ عليَّ فلا أُبالي، غيرَ أن عافيتَك هي أوسَعُ لي، أعُوذُ بنورِ وجهِك الذي أشرَقتْ له الظُّلماتُ، وصلَح عليه أمرُ الدُّنيا والآخرةِ، أن يَحِلَّ عليَّ غضَبُك، أو أن يَنزِلَ بي سخَطُك، لك العُتْبى حتى ترضى، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا بك)
فأرسل رب العالمين جبريل عليه السلام و معه ملك الجبال، يستأذنه أن يطبق عليهم الأخشبين (جبلين في مكة) ليهلكهم فرفض نبي الرحمة صلى الله عليه و سلم و قال: "بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا"

وتمضي الأيام وتظلُّ ثقيف على كفرها وعنادها، بل و شاركت مع هوازن في الحرب ضد المسلمين في موقعة حنين، وانتهت الموقعة بهزيمتهم وفرارهم إلى الطائف، التي حاصرها المسلمون حصارًا شديدًا مُدَّةَ شهر كامل، لكنهم لم يتمكَّنوا من فتحها، لقوة حصونها، فتركوها بأمر من النبي صلى الله عليه و سلم، مما اصاب الصحابة بالحزن، فقالوا: يا رسول الله، أحرقتْنا نبال ثقيف، فادع الله عليهم، فقال صلى الله عليه وسلم : " اللهُمَّ اهْدِ ثَقِيفًا" - رواه الترمذي

مع غلظة البشر

عن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، ورجع نبي الله صلى الله عليه وسلم في نحر الأعرابي، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك
فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء (صحيح - متفق عليه)

جاء زيد بن سعنة إلى رسول اللَّه يطلبه ديناً لـه، فأخذ بمجامع قميصه وردائه و سب قبيلته و صرخ في وجهه قائلا: يا محمد، ألا تقضيني حقي، إنكم يا بني عبد المطلب قوم مُطْلٌ (اي تؤخرون الوفاء بالدين) و لقد كان لي بمخالطتكم علم
فنظر إليه عمر و شرر الغضب يتطاير من عينيه و هو يقول: يا عدو اللَّه، أتقول لرسول اللَّه ما أسمع، وتصنع به ما أرى؟ فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر لومه لضربت بسيفي رأسك
ورسول اللَّه ينظر إلى عمر في سكون وتُؤَدَةٍ وتَبَسُّمٍ، ثم قال: (أنا وهو يا عمر كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التقاضي (اي طلب الدين) اذهب به يا عمر فاقضه حقه، وزده عشرين صاعاً مكان ما رعته - اي اخفته)
فينطلق به عمر رضي الله تعالى عنه و ينفد ما امره النبي صلى الله عليه و سلم به
فسأله الرجل: لم زدتني يا عمر؟
فقال عمر: أمرني بذلك رسول الله تلقاء ما رعتك
فقال الرجل: أتعرفني يا عمر؟
فأجاب عمر: لا
فقال الرجل: أنا زيد ابن سعنه
فدهش عمر و قال: الحبر؟ (يعني حاخام اليهود و عالمهم الكبير)
فقال الرجل: الحبر
فسأله عمر: فما دعاك أن فعلت برسول الله صلى الله عليه و سلم ما فعلت و قلت له ما قلت؟
فأجاب الرجل: يا عمر انه لم يبق شيء من علامات النبوة إلا وقد عرفتها في وجه محمد إلا اثنتين لم أخبرهما منه : يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما فقد اختبرتهما فأشهدك يا عمر أنني قد رضيت بالله ربا و بالاسلام دينا و بحمد صلى الله عليه و سلم نبيا و اشهدك ان شطر مالي (اي نصفه) فإني أكثرها مالا (اي أكثر اليهود مالا) صدقة على أمة محمد صلى الله عليه سلم
فرجع عمر و زيد الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فشهد زيد رضي الله تعالى عنه ان لا اله الا الله و ان محمدا رسول الله (صحيح ابن حبان)

مع ذوي الإحتياجات الخاصة

عن أنس رضي الله عنه أن امرأة كان في عقلها شيء، فقالت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة فَقَالَ: “يَا أُمّ فُلاَنٍ انظري أَيّ السّكَكِ شِئْتِ، حَتّىَ أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ" فخلا معها في بعض الطرق، حتى فرغت من حاجتها. وهذا من حلمه وتواضعه وصبره على قضاء حوائج ذوي الاحتياجات الخاصة

قد كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول عن عمرو بن الجموح رضي الله عنه وكان أعرج ، تكريمًا وتشريفًا له: “سيدكم الأبيض الجعد عمرو بن الجموح" ، وقد قال له النبي صلى الله عليه و سلم ذات يوم: “كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة"، وكان رضي الله عنه يُولِم على رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا تزوج

مع الضعفاء

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضاعف لو أقسم على الله لأبره ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر – (صحيح مسلم)
والمتضعف -بالفتح والكسر- معناه: من يستضعفه الناس ويحتقرونه ويتجبرون عليه لضعف حاله في الدنيا
كل ضعيف متضعف : متذلل منكسر لله عز وجل، لا يشمخ بأنفه إلى السماء
لو أقسم على الله لأبره : لو حلف يميناً طمعاً في كرم الله تعالى بإبراره لأبره اي لو دعا الله تعالى لأجابه
العتل: فهو الجافي الشديد الخصومة في الباطل
الجواظ : الجَمُوع المَنُوع، وقيل الكَثيرُ اللَّحم المُخْتال في مِشْيَته

وقال محمد بن عيسى حدثنا هشيم أخبرنا حميد الطويل حدثنا أنس بن مالك قال إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت (صحيح البخاري)

و عن أنس رضي الله عنه قال: خدمتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي أُفٍّ قطُّ ، وما قال لي لشيٍء لِمَ أفعلْهُ : ألا كنتَ فعلتَه ؟ ولا لشيٍء فعلتُه : لِمَ فعلتَه ؟ (أخرجه البخاري -6911)

مع الاطفال

أما عن رحمته صلى الله عليه و سلم بالأطفال فحدث و لا حرج فقد كان صلى الله عليه و سلم يقبلهم و يلاعبهم وعن عائشةَ رضي اللَّه عنها قَالَتْ: قدمَ ناسٌ منَ الأعرابِ على النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليْهِ وسلَّمَ فقالوا أتقبِّلونَ صبيانَكم
قالوا نعَم
فقالوا : لَكنَّا واللَّهِ ما نقبِّلُ
فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليْهِ وسلَّمَ وأملِكُ أن كانَ اللَّهُ قد نزعَ منْكمُ الرَّحمةَ (ومعناه : لا أملك لكم شيئًا إذا نزع الله الرحمة من قلوبكم.) – متفق عليه

و كان صلى الله عليه و سلم يُصلّي بالناس جماعةً فإذا سمع بكاءَ طفلٍ أسرع في الصلاة وخفّف منها، وكان عليه الصلاة والسلام يحمل الصّغار وهو يُصلّي، فإذا سجد يضعهم على الأرض، وإذا قام حمَلهم، كما فعل مع حفيدته أُمامة بنت زينب رضي الله عنها

و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً
فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "من لا يرحم لا يُرحم" - متفق عليه

الرفق بالإنسان

جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا فما رأيت النبي صلى الله عليه و سلم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ فقال: يا أيها الناس، إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليوجز؛ فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة. (صحيح البخاري و صحيح مسلم)

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (بال أعرابي في المسجد، فقام الناس إليه ليقعوا فيه (يعني: بالسب والشتم والزجر)
فقال النبي صلى الله عليه و سلم: دعوه (في رواية أخرى: لا تُزْرِموه يعني: لا تقطعوا عليه بوله) ، وأريقوا على بوله سَجْلاً (اي دلوا وبعضهم يقول: الدلو المليء بالماء) من ماء، أو ذَنوباً من ماءِ، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) - رواه البخاري.
فلم يرد النبي صلى الله عليه و سلم إحراج الرجل و إنما علمه حرمه المسجد بالرفق و اللين كما عبر الإمام الجليل الشيخ على جمعه فقال: "الساجد قبل المساجد و الإنسان قبل البنيان"

القاعدة العامة في الإسلام هي عدم إحتقار المخطيء او اغلاق ابواب الرحمة في وجهة فمفاتيح الجنة ليست بيد احد. فقد امتدح النبي صلى الله عليه و سلم المرأة التي زنت ثم تابت فقال عنها النبي صلى الله عليه و سلم : (لقد تابت توبةً لو قُسِمَتْ بين سبعين من أهل المدينة لَوَسِعَتْهُم) – صحيح مسلم

و عن عمرو بن عبسة السلمي قال: رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية فسألت عنه فوجدته مستخفيا بشأنه ، فتلطفت له حتى دخلت عليه، فسلمت عليه فقلت له: ما أنت؟
فقال: نبي
فقلت: وما النبي؟
فقال: رسول الله
فقلت: ومن أرسلك؟
قال: الله عز وجل
قلت: بماذا أرسلك؟
فقال: بأن توصل الأرحام، وتحقن الدماء، وتؤمن السبل، وتكسر الأوثان، ويعبد الله وحده لا يشرك به شيء
قلت: نعم ما أرسلك به، وأشهدك أني قد آمنت بك وصدقتك، أفأمكث معك أم ما ترى؟
فقال: قد ترى كراهة الناس لما جئت به، فامكث في أهلك، فإذا سمعتم بي قد خرجت مخرجي فأتني – (مسند أحمد رقم 17057 )

مع الحيوان

أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم الجيش الذي سار معه لفتح مكة بأن يفترق إلى فرقتين اثناء مسيره حتى لا يروع كلبه كانت ترضع اولادها و قد اجهدتها آلام الولادة حتى لا تصاب بالرعب على اولادها الصغار...هل سمعتم هذا من قبل عن قائد حربي يغير مار الجيش حتى لا تفزع كلبه

الخاتمة

أمثلة رحمة النبي صلى الله عليه و سلم لا تعد و لا تحصى فهي نقطة جوهرية في دعوته صلى الله عليه و سلم فقد قال تعالى: (و ما ارسلناك الا رحمة للعالمين) و قال ايضا (و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) و بالتالي يمكننا بسهولة ان نفرد لرحمة النبي صلى الله عليه و سلم و تسامحه الكتب لكن الغرض الحقيقي هو توعية الناس بأهمية الرحمة فالنبي صلى الله عليه و سلم بعثه الله في مجتمع فظ غير متحضر بمقايسنا الحالية و الحقيقة فقد كانوا –رغم غلظتهم- اكثر ونضجا و قلوبهم اكثر تبصرا من عالمنا الحالي المليء بالجدل و التناحر الأجوف لهذا فهم اتبعوا الحق رغم مخالفته لما اعتادوا عليه أما ما نراه الآن من قسوة و عنف فهو قمة الظلم و الغلظة و عدم التحضر. فنوصيكم و انفسنا باتباع الحق و التسامح و بث المحبة بين الناس لعل الله تعالى يمن علينا بمصاحبة نبيه و حبيبه في الآخرة ان شاء الله.